د. سرى باسم عبد المجيد*
إن فقهاء القانون الدولي انقسموا إلى مدافع ومعارض لهذا المفهوم الجديد ( العولمة ) في أدبيات علوم القانون الدولي ، فهناك من ينظر إلى العولمة باعتبارها العودة إلى نظام الغاب ، حيث القوي يسيطر على الضعيف ، فالنظام الدولي اليوم يسلب عوامل القوة لصالح الدول المتقدمة و ثم يمنعها عن الدول النامية والصغيرة ، وأياً كان الخلاف من نظام العولمة بين فقهاء القانون الدولي فالسؤال المطروح أمام قادة الدول النامية لم يعد: هل تقبل العولمة أم ترفضها، وإنما أصبح: كيف نتعامل مع نظام العولمة بأقل قدر من الخسائر وبأكبر قدر من المكاسب؟ ويزيد من صعوبة انعقاد هذا الاتفاق أن نظام العولمة من الظواهر التي تختلف بشأنها أهداف ومصالح الدول المختلفة ، اذ يعود نظام العولمة في نشأته المعاصرة إلى الثورة الهائلة التي شهدها العالم في مجال الاتصالات والمعلومات والشبكات العنكبوتية والتقنية في علوم الفضاء التي تعمل على مدار الساعة أصبح ربط أجزاء العالم المتباعد أمراً ملموساً ، كما ازدادت درجة الاعتماد المتبادل فيما بينها، ولذلك تحول المجتمع الدولي إلى مجتمع واحد تتشابك فيه مصالح الأفراد وتوجد بينهم مجموعة من القيم والأفكار والمبادئ الإنسانية المشتركة، لذا يتضح لنا أن للعولمة تأثير على حرية الدولة في اختيار نظامها السياسي، إذ يجب على الدول النامية أن تتخلى عن بعض حريتها في اختيار نظامها السياسي، وذلك استجابةً لمبادئ الديموقراطية التي جاءت بها العولمة ، إذ أن ما تسعى إليه الأمم المتحدة هو التأكيد على أهمية القواعد الديمقراطية في تداول السلطة من خلال تنظيم انتخابات حرة ونزيهة ، كما لها تأثير على اختيار نظامها الاقتصادي، إذ كما هو معلوم أن بعد انهيار المعسكر الشرقي الذي كان يعتمد على النظام الاشتراكي، ظهرت فرصة كبيرة لنمو النظام الرأسمالي على مستوى العالم. ، مما ساعد الدول النامية على الالتحاق بمسيرة التطور. نتيجة لذلك، فقدت هذه الدول جزءًا كبيرًا من سيادتها وحريتها في اختيار شكل نظامها الاقتصادي، وأصبحت إدارة الشؤون الاقتصادية خارج نطاق سلطة هذه الدول بسبب العولمة، ودخلت هذه الأمور ضمن صلاحيات الإدارة العالمية للاقتصاد. وبرزت الشركات الدولية الكبرى والقطاع الخاص، حيث تتوزع نفوذها حول العالم بناءً على مبدأ الربحية والتخصص دون مراعاة لمصالح الدول وشعوبها. وهنا لعبت المنظمات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دورًا في وضع قواعد دولية يتم دمجها في القوانين الاقتصادية لهذه الدول، فضلا عن ذلك لها تأثير على حرية الدول في اختيار نظامها الاجتماعي حيث يعتقد الكثيرون أن الانتقال من التخلف والجهل إلى التقدم لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الارتباط بالرأسمالية العالمية. لذلك بدأت حكومات هذه الدول تدرك أهمية خلق بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية، كما اعترفت بعدم قدرة مواطنيها على تحمل أعباء التنمية الاجتماعية بمفردهم. ومن ناحية أخرى لها تأثير في اختيار الدولة لأنظمتها الثقافية، إذ تعمل العولمة على نشر بعض القيم الثقافية التي تُعتبر أساسية في المجتمع الدولي، مثل دعاوي المشاركة والشفافية وحقوق الإنسان الأساسية. وتم تعزيز هذه القيم من خلال شبكة متطورة من وسائل الإعلام والاتصالات والإنترنت، وكما لعبة منظمات المجتمع المدني دورًا في نشر هذه القيم بين الناس في الدول النامية مدعيةً أنها تساعدهم في حل مشاكلهم والتكيف مع متطلبات الحداثة.
* قانون دولي عام – رئاسة الجامعة العراقية