المغني المصلح فاكولي

حميد الشمران
أثار فاكولي جدلاً كبيراً بعد تقديم أغنيته الأخيرة _ لقد تقاسموا العالم _ لتُضاف إلى ألبومه الغنائي المهم والمعروف عنه في إخلاصه للديمقراطية وللشعب، إذ أنها جاءت بالوعي ذاته والاحتجاج نفسه. أسّس فاكولي فرقة غنائية ملتزمة بالرسالة الداعمة للمواضيع الإنسانية والاجتماعية، فقد ركزت أعمالها الفنية على قضايا الشعوب الأفريقية وما يرتبط بها من محن وأزمات. أما بالنسبة لأغنيته الحديثة التي ألهبت حماس الجماهير فكانت على نطاق أوسع من انتقاده للسلطة الاقليمية، فقد تطرّق من خلالها إلى المشروع الدولي الذي يهدف إلى تقسيم العديد من الشعوب.
لكن حقيقة الأغنية الافريقية تختلف عن غيرها من ناحية إنعاش الروح الثورية وإصلاح ما أفسده الحكام , وما نستشفه من التأريخ السياسي الأفريقي أن الزعماء الأفارقة يخشون أي مغنّ يشكل جمهوراً واعياً ومتّحداً من الناحية السيكولوجية , بيد أن لهذا سعى فاكولي إلى تقديم أغنيته المتضمنة لانتقادات صريحة وحادة لابراغماتية الجبابرة , تجار الحرب الأكثر تعطشاً للاستحواذ واحكام القبضة على المشرق والمغرب , المتشاحنون على مدى مساحات زمنية واسعة من أجل الأستيلاء على الأراضي والثراوت والمقدرات , ممن هم أصحاب قوى كبرى , الذين لا يمكن أن يوقفهم عائق عن فرض سطوتهم وبأسهم , هم الذين حازوا على كل شيء مدمّر بإمكانه أن يسهم في ركل جموع شعوب هذه المناطق عن آخرها .!
استقبل فاكولي العام الجديد (2025) بأغنية سياسية وصفت العلاقات الدولية القادمة على أنها قلقة ومرتبكة , بعد أن ضمّت أغنيته عدّة دول قد وضع مصيرها ما بين التقسيم وبين تبادل الصفقات , والحق أنها بمثابة إرسال صرخة لتظلَّ صادحة في آفاق الإنسانية , لتشرح للعالم أجمع حال واقعنا الضعيف المستباح في ظلّ هذه المراهنات التي تخطّت الإنسانية والحدود والقوميات .
فهو كما وصفه نقاد الموسيقى: (صوت من لا صوت لهم) . هكذا تقدّم فاكولي بثوبٍ أفريقي مشعّ بدلالات تقليدية للقارّة الأفريقية _ ملوّن وفضفاض وثائر _ ليمرّ وسط حشد من المشاركين في ذلك الأداء الجماهيري الباهر , سائراً فوق المسرح بإتئاد كأنه يحمل جثة العالم الميّتة على ظهره , ليقول بصوتٍ مريع : ” لقد تقاسموا العالم .! ”
فاكولي، مغنّ وكاتب أغاني من ساحل العاج، (دومبيا موسى) والشهير بالاسم الفني (تيكن جاه فاكولي) اشتغل منذ بداية مشواره الفني في الدفاع اللاذع عن حرية الشعوب في مسألة اختيار حكامها , وكانوا بمعيته مجموعة من فناني الريغي الأفارقة ممن ساهموا في حمل شعلة الديمقراطية , حيث أثرّت أغانيهم على تحريك رأي الشارع مثلما حدث من تغيير سياسي بعد أغنيته الشهيرة (سيدي أترك السلطة . . بلا حوادث بلا دم ) , ليتناولوا باستمرار قضايا قارّتهم الأفريقية ولما تتعرض إليه على طول أمدها من تواطئ أدى لخلق الأزمات والحروب العدوانية والوضع العام الذي من شأنه أن يخلّف في النتيجة مناخاً ملوّثاً _ تصحّر وجوع ومرض وموت وأقصاء وإبادة جماعية _ أصرّوا الفنانون الأفارقة أن يسلطوا مسامع العالم على صرخات الجموع البشريّة المضطهدة .
السؤال: في ظلّ هذه المؤامرات المهيمنة على الواقع والمتطلعة إلى تحجيم الأنسان هل يُسمع صوت فاكولي وجماعته؟ هل نجد المجتمع الدولي متظافراً مع الإنسان المغلوب مرّة واحدة بغض النظر عن عقيدته وعرقه ولونه؟ متى يصبح كل إنسان حر وذي أهمية قيمية عالية؟ بيد أن فاكولي أشار إلى ذلك في أغنيته الأخيرة، ليصيغ لنا جواباً حقيقياً شافياً عبر كلمات من تأليفه وأدائه، إذ بيَّن لنا مديّات الـ (إذا). وما قاله بمعنى، من دون استحصال الموافقة والقبول على عرض الابتزاز سوف تُباد بلادك ومن فيها بلا أدنى ريبة، أو سيغدوا إنسانها فقيراً متعثراً بلا نهاية، وكلا الأمرين مرهقين . . .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة