ستار كريم مظلوم
مر على رحيل الشاعر العبقري بدر شاكر السياب حوالي أكثر من تسعة واربعين عاماً والشعب العربي والعراقي ما يزال يتذكر. بل وفي كل أرض العرب يتذكرونه ويذكرون حياته التي لم تمتد بها الأيام والسنون إلى أكثر من الشباب، إلا أنها حفلت بتجارب وأحداث وكفاح وآلام وانفعالات قلماً يمر بها أنسان في مثل هذا العمر القصير، ونادرون هم الشعراء الذين يلتصقون بأوطانهم إلى الحد الذي تنعدم معه المسافة بين هويتهم الشخصية وهوية هذه الأوطان، ذلك أن أمراً كهذا لا يتطلب عشقاً للوطن وتغنياً بترابه فحسب، بل يتطلب شغفاً موازياً باللغة الأم ومعرفة بجماليتها وأسرارها وعلاقاتها الداخلية بحيث يصبح الشاعر قادراً على تفجير الطاقات الكامنة في هذه اللغة ودفعها الى حدودها القصوى، وهو أمر لم يتوفر لغير القلة من الشعراء الذين باتوا جزءاً لا يتجزأ من لغاتهم وهوياتهم القومية شأن هوميروس مع اليونان ودانتي مع الإيطاليين وشكسبير مع الإنكليز وبوشكين مع الروس وغوته مع الألمان والمتنبي مع العرب، على أن أي شاعر من الشعراء مهما بلغت عظمته، لا يمكن له بمفرده أن يختزل لغة أمته وهويتها الإبداعية، والمتنبي على موهبته الفذة لا يمكن أن يحجب عن الأعين قامات شعرية عالية من وزن أمريءُ القيس وطرفة بن العبد وعمر بن أبي ربيعة وأبي نؤاس وأبي تمام وغيرهم، ومع ذلك فنحن ننتقل بالزمن الى العصور الحديثة حتى يتبدى لنا الحضور الاستثنائي للسياب الذي مرت على رحيلة أكثر من تسعة وأربعين عاماً، لا بل إن الرحيل المبكر للسياب الذي لم يعش اكثر من 38 عاماً هو الذي أسهم في تكريس أدب الأسطورة وأكد القيمة الاستثنائية لهذا الشاعر الذي لم يزده احتجابه الجسدي إلا عظمة ورسوخاً وتألقاً مع الزمن. ففي حين إن بريق بعض الشعراء يخبو في لحظة الموت نفسها حين يصبحون عاجزين عن الترويج لأنفسهم وتلميع صورتهم الشخصية والإعلامية،
بدا السياب بعد موته أكثر قدرة على المنافسة، وبدت قصائده قادرة بامتياز على الصمود في وجه الزمن، وعلى التأثير في الأجيال اللاحقة رغم التحولات الدراماتيكية السريعة التي أصابت القصيدة العربية من بعده.
لذلك يحق لنا أن نتساءل عن السبب الذي يحول بين القصيدة السيابية وبين الضمور او التلف والذي يحقن هذه القصيدة بأسباب البقاء والتوهج رغم أن العديد من المتلكئين أو الذين أتوا بعده قد آلت تجاربهم الى النسيان الكامل.
ورحل الشاعر بدر شاكر السياب بتاريخ 24/12/1964 ولكن بقي شعره يمثل الثورة الحديثة التي صارت اتجاهاً أدبياً جديداً في الشعر له نقاده ومتبعوه كما يمثل آمالاً لهذا الجيل من أمة العرب المتطلع الى حياة تظللها الحرية والعدالة والمساواة.
السياب.. عاشق الوطن واللغة
التعليقات مغلقة