“تحولات الأحياء والأشياء” لمنعم سعيد.. عوالم من التجلي والطقسية وتوصيل المعلومة بالتوقع والترقب عند المتلقي من أجل إظهار الفكرة

حاوره: سمير خليل
منعم سعيد، مسرحي مجتهد دؤوب برع في المغايرات في النسق المسرحي، يستعيض بالبصريات والصورية بديلة للحوار، هي مغامرة للانقلاب على المألوف لأن الحوار هو عنصر متجذر في كيان المسرح، لكن الصورة اليوم يمكنها ان تسرد الحوار بالجسد، برع منعم سعيد في مغازلة الجسد وترويضه على خشبة المسرح مثلما برع في فن البانتومايم الذي يعد أحد فرسانه في العراق.
في مسرحيته ” تحولات الأحياء والأشياء” قدم سعيد مجموعة من الدمى المفترضة التي أرادت أن تتحول الى بشر، ورغم أنها تفتقد لما يمتلكه الانسان من مشاعر مختلفة إلا أن هذه الدمى رفضت أن تعيش حياة الانسان المتخمة بالكوارث والمآسي والحروب وأنانية البشر، ففضلت أن تعود لطبيعتها وتبقى في صورة دمى.
المخرج المبدع منعم سعيد كان ضيف أخيرة الصباح الجديد ليتحدث عن التحولات في مسرحيته فقال:
هي تحولات داخل الانسان نفسه، مقومات الانسان هي الحب والخوف والكراهية، وهذه متأصلة في الانسان منذ الأزل الى الآن، لكن هناك قضية استشرت أكثر من غيرها، من هذه الاصول أو المقومات المتأصلات داخل الانسان وهي دمار الانسان لنفسه، مثلا النبات لا يقتل نفسه الا نادرا وكذلك الحيوان ولكن الانسان يدّمر الانسان، يصنع الفايروس والدمار والحروب، يصنع كوارث صناعية حتى زلازل تصنّع بشريا، فموضوعة التحولات هي في باب ثيمة العمل الذي نعمل عليه وهو مجموعة من الدمى مع مصنّعة او صانعة للدمى تقدمهن وتحركهن وتقدم لهم عروض معينة، استوحيت العمل من نص لأستاذنا الكبير قاسم محمد رحمه الله وهذه مجموعة نصوص اربعة كتبهن هو، اشتغلت على ثلاثة منهن، قمت بإعدادهن بعد الاذن منه طبعا، وعندي تسجيل كامل للقائي معه، حتى انه كان يراسلني أثناء التمارين بمحادثات صوتية في مسرحية “شواطئ الجنوح” وهذا العمل يعد العمل الثالث من هذه المجموعة، المسرحيتان الاخريان ” منولوج الخوف والرجاء عند شواطئ الجنوح” اختصرناها الى ” شواطئ الجنوح” والثانية كانت مسرحية ” الحلاج” ، وهذا العمل الثالث ” تحولات الأحياء والأشياء ” ، وكلها من روح قاسم محمد الذي كان استاذي في المسرح بالإضافة لعلاقتي الحميمية الأبوية معه”.
*كيف قدمت المسرحية؟ وفق أي أسلوب؟
هنا، انا ابتعدت عن نظريات المسرح الغربي، بدأت اعمل بدل التقمص وابعاد الشخصية، اشتغلت على التجلي والطقسية وتوصيل المعلومة بالتوقع والترقب عند المتلقي من اجل اظهار الفكرة، يعني ان يكون الشكل في خدمة المضمون، ماذا يقول هذا المضمون؟ عن عملية التحول التي نتحدث عنها، ان هذه الدمية الافتراضية الاولى لو نظرت الى الانسان ماذا ستنظر له، تنظر له كأنه المثل الأعلى للمخلوقات، عنده الحب، الجمال، الدمية تقارن نفسها بين حياتها وحياة البشر فهي قريبة من البشر بحيث أنها يمكن أن تتحول الى بشر، لأن الدمى أيضا تمتلك رؤوسا وأيادي وأرجل، يتحدثون، يضحكون الناس ويبكونهم، في مسرحياتهم كدمى يطرحون أفكارا وفلسفات، ما هو فرقهم عن البشر؟ فقط شيء واحد هو العاطفة والحب والجمال الداخلي غير الموجود داخلنا لأننا مصنوعون من الخشب، هم يشككون في أنفسهم، هل كنا من البشر وبمرور الزمن تحولنا الى خشب؟ وبالتالي هذا يدفعهم لكي يولدوا من جديد كبشر وتمثلوا بالحب بالحرية، وبالنتيجة أنهم اكتشفوا أن هذا البشر، رغم هذه الخصائص التي أحبوها فيه كانت كاذبة وخالية من الحب، وإن هذا الحب كان أنانيا، لذلك هم رفضوا حياة البشر، لأن هذا البشر منذ آلاف السنين لم يستطيع التعايش مع أقرانه بل كانوا يصنعون لبعضهم الموت والكوارث والحروب والفايروسات. ولنعد دمى أفضل من حياة البشر”.
*وهل نجح فريق العمل في تجسيد رؤيتك؟
بالتأكيد أن طموحنا أكبر، هم شباب حتى أن بعضهم طلبة الصفوف الأولى في معهد وكلية الفنون الجميلة لسبب واحد ومهم أنني اخترتهم بهذا الشكل لأنني أعمل على طريقة جديدة هي المسرح الشرقي لأن الممثل المحترف من المستحيل أن أسلخه من تأثره بالمسرح الغربي، لذلك نجح فريقي بشكل أفضل من الممثل المحترف، هناك مواقف شكلت تحديا هو أن وجوه الممثلين كانت مغلقة فكانوا يؤدون بأجسادهم، وأرواحهم، وهذه طقسية لا يصلها المسرح الغربي، لذلك عندما اشتغلت مع هؤلاء الشباب، فإنني اشتغلت على أساس أنني أستطيع أن أعمل منهم صلة وصل بين المتلقي بشكل طقسي، روحي والعمل مع التجلي وليس التقمص، ليس لدينا تقمص، لا نكذب في الأداء، نحن نؤدي ، نلعب ولكن لا نكذب”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة