“ناجون بالمصادفة” والايجاز الجملي

المتآلف ومنطق الحياة
علوان السلمان
النص الشعري.. فعل فني بجمالياته..ابداع بتساؤلاته..كونه يتناول الواقع ويقتنص لحظاته وينقلها الى المخيلة عبر صور مستفزة للذاكرة من اجل تحقيق المتعة والمنفعة الفكرية بتوظيف الالفاظ الرامز المختصرة للمسافات بين الواقعي والتخييلي لتحقيق عوالمه المشهدية التي تتجاوز المألوف عبر الصراعات وتعدد الرؤى.. كون الشعر يرتكز على(التعبير بصور) جاذبة مبني على تجليات الوهم في خلق عوالمه عبر الكلمة المقروءة المنظوية تحت مشاعر واحاسيس المنتج(الشاعر) التي تشكل معطيات لمساعدة المستهلك(المتلقي) للخوض في غمار تفاصيل تجربته الشعرية..كون القصيدة شكل من اشكال وعي الشاعر ورؤيته للكون من اجل اعادة تنظيمه ..
وباستحضار المجموعة الشعرية (ناجون بالمصادفة) التي نسجت عوالمها النصية انامل منتجها الشاعر ماجد الحيدر واسهمت دار سبيرنز للطباعة والنشر في نشرها وانتشارها/2009.. كونها نصوصا تسبح بخيالاتها عبر لغتها وايقاعاتها الداخلية والخارجية وصورها البصرية وتفجراتها اللونية التي تمسك بمتلقيها سائحة معه بعوالمها الرومانسية.. لتحقيق المتعة والمنفعة المقصودة..بإشراكه في رؤية المنتج(الشاعر)الشعرية بخطوطها ومنظورها القائم على الممكنات التخيلية.. من خلال توظيفه الفاظا موحية مكتظة بالحركة.. ولغة تعتمد التكثيف والايجاز الجملي المتآلف ومنطق الحياة…ابتداء من الايقونة العنوانية والعلامة السيميائية الدالة بفونيميها المشكلان جملة اسمية خبرية دالة على المطلق بدلالته التنكيرية(ناجون) وهو يحيل الى حالة نفسية ودلالة انسانية ..

نحن الذين بلغنا من الطيش
حد ان نخرج للعمل..ونسير في الاسواق
نحن الذين يسوقنا التهور/الى التأخر عن بيوتنا/الى ما بعد المغيب
نحن المجانين..الحمقى/المصابون بخفة الاحلام
الذين ما زالوا يقرؤون كتب الشعر العقيمة..المجدفة..الملآى بالاحجيات
نعلم اننا لم نمت بعد/لان السكاكين اخطأتنا/ولم نتدل من المشانق
لان التقارير سهت عنا/ولم نتضور لأننا/وجدنا بعض الخبز في السلال
………………….
ليس لأننا شجعان/ولا لأننا خارقون/لكنها قسمتنا..والطوالع العجيبة
اولئك نحن……..
ناجون…….. ناجون بالمصادفة / ص55ـ ص56

فالمنتج(الشاعر) يقدم انموذجه الانساني باعتماد الجمل المكثفة التي تصور عالما تتسع دلالاته وتكتظ بالمشاعر المتناقضة .. فضلا عن انه يهتم بجمع الجزئيات التي توضح معالم الصورة عن طريق البناء التركيبي الذي يهتم بسرد التفاصيل وتجميع الاشياء وسبكها ومهارات الاخيلة بلغة موحية الالفاظ بعيدة عن التقعر والضبابية تتكئ على دينامية فعلية حركية(نخرج / نسير / يسوق / يقرؤون / لم نمت / نتدل / نتضور…) غائرة في عمق الحدث الذي يجسد عنصر الفكرة المتناغم والعناصر الابداعية بوحدة عضوية متماسكة..اضافة الى توظيفه الرمز الذي هو (اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة..لغرض تصعيد التكنيك الشعري)..

أيتها الانثى التي لا تصدر امرا مرتين
يا قطب الارض الوحيد اما تعبت من الخلق والفناء؟
الا تخطئين مرة واحدة؟
في الليل اهمس(تعالي) /فتجيئين لاهثة
(اذهبي) فتنكفئين لكهفك
هنالك في وادي الذاكرة الازرق
في الصبح استدير يمينا.. نصف دورة.. فاراك امامي
ويسارا نصف دو….. فتبسمين في وجهي
عندها اقر بالهزيمة/ امام السنا الملغز/وشراسة الانثى
فاتوسل تعالي…لكنك تصدين نافرة
واصرخ اذهبي /فتضربين اقدامك الفستقية بالارض
تكركرين…تعلمين ان الليل آت لا محال /ص7 ـ ص8

فالمنتج(الشاعر) يطرح تجربة حوارية تتأرجح ما بين ضمير الغائب(هو) وضمير المخاطب(هي) وما بينهما يسير النص عبر منولوجية تكشف عن دخيلته ودوافعها النفسية والتكنيكية وهو يتعامل مع المتناقضات(الليل / الصبح / يمينا /يسارا) ..فضلا عن توظيفه بعض التقنيات الفنية والاسلوبية كالتنقيط الذي يشكل وسيلة تعبيرية ترمز للمحذوف و(المسكوت عنه) من التعابير..اضافة الى اضفاء جو نغمي يحرك الخزانة الفكرية للمتلقي ويحثها على التامل من اجل استيعاب المحتوى والوقوف على نوع الدفق الفكري والوجداني للمبدع ومن ثم المشاركة في املاء الفراغات التنقيطية كي يكون مسهما فاعلا في بناء النص..كون المنتج يعي تقنية النص الذي يشتغل عليه ودلالاته وموحياته النفسية والفنية… اضافة الى التكرار الاسلوب الدال على التوكيد والذي اضفى على جسد النص موسقة مضافة.. وهناك النداء(الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان الشاعر تراكما كثيفا مترابط الوحدات وهو يعتمد النمو الزمني ..) اضافة الى اعتماده الاختزال في الوصف مع سيطرة على المشاعر فيقدم مشهدية تاملية خارج نطاق الذات بلغة شاعرية الحس متجاوزة حدود الزمكانية والوصف..متدفقة بعذوبة مموسقة بحركة الحياة الاليفة لتحقيق التماهي.. لذا فهو يلجأ الى التقطيع الكلمي (دو…..) كي يخلق مناخا لفعل (الرؤية) فيحقق ايحائية تتساوق مع المعنى العام للمفردة .. ومن ثم خلق قيمة فنية لها ..تكشف عنها اللغة المكثفة واللحظة المتسارعة المشحونة بالألم ليرسمها على نافذة ادراك متلقيها فيتأملها محركا خزانته الفكرية شاغلا لها بالتحليل والتاويل..
من كل هذا نستنتج ان الجملة الشعرية في خطاب المنتج( الشاعر) تتنوع اشكالها ولا تخضع للمعايير التقليدية..فضلا عن انها تتميز بالتدفق الخيالي والتشكيل البلاغي وتوظيف المكنون السردي والحواري في الجملة.. فضلا عن انه ينسج عوالمه النصية بحثا عن موقف رؤيوي..انساني..بتتابع الاحداث والمشاهد مع تكثيف الاحساس في صور حركية داخل بنية شعرية سردية تشكلت من جزئيات التجربة..مما كشف عن امتلاء مخيلته بالمعطيات الحسية..
التي مكنته من التعبير عن موقف اجتماعي وانساني في حمل دلالات الواقع بكل تناقضاته وافرازاته..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة