نصير الشيخ
ــــ شكلت الواقعية في الرسم مساحة شاسعة لما لها من جذور وارتباطات في تاريخ الفن، ولما لها من قدرة على التأثير في الآخر. ولاحتفاظها بقيمتها التعبيرية عبر ملامستها الانسان وقضاياه. بالإضافة الى قدرتها على بث خطابها الجمالي في حضورها المتحفي.
والفنان ( فاضل عباس) يعدُ من الرسامين المُلونين والمجيدين في إنشاء موضوعاتهِ والشاغل لمنطقة حيازتهِ ( الواقعية) والمنضوية ضمن رؤيته الفنية ومدى بصرهِ لما يراه ُ ويتابعه ُمن يومياتٍ تتعلق بالحياة اليومية الشعبية، وحضور الناس كشخوص محركة لهذهِ الحياة. حيث تأتي لوحاته مشاهد لونية ضاجة بالحركة وبتعبيرية عالية الدقة تضعنا في مجال الإدهاش الصوري، حيث يسعى الفنان الى تصوير الحياة العراقية بدون تكلفٍ واصطناع. وكأن به يعيد رسم المشهد بعد قراءتهِ بعين متبصرةً، غير خافية بالطبع زاوية النظر لدى الفنان، وقدرة إبراز ملامح الألم والفرح على شخوصه في لوحاته، مستفيداً من ثنائية الظل والضوء، والتقاط قدرة الإشعاع الشمسي على بسط إنارتهِ على المشهد، وبما يمنحه جمالاً أخاذاً وحيوية دافقة.
وبعين الرسام الحاذق ومهارته الخطية تتشكل عوالمه الرسموية، والتي تصب كلها في نهر الواقعية ــ التشخيصية، حيث معاينة الشخوص ( الناس) في أعمالهم وكدهم في يومياتهم المألوفة، والتي تشكل مساراً طبيعياً للحياة العراقية في أسواقها وأماكنها ودروبها وقراها. وهنا تتجلى في ميدان الرسم أهمية الحدث بوصفه ( واقعة شيئية ) كما يقول الناقد خالد خضير الصالحي، ليتم نقله على لوحة الكانفاس، لإعادة حياة المشهد صورياً، ومن ثم توثيقهِ في مديات الإحساس بالجمال بعيداً عن تقريرية الفوتوغراف أو الارتكان لدخولها المتحف وقاعات العرض. وبهذا تمنحنا اللوحة الزيتية وكما في أعمال الفنان فاضل عباس حياة متجددة، وتلك هي قدرة الرسم على استنطاق عوالم الانسان ونسوغ الحياة المعاشة .
واللون هو الناطق الجمالي بمساحته المتوقدة حاملاً لهذه التعبيرات. وبما يبقي لنا طزاجة المشهد المرسوم، عابراً تواريخه نحو أزمنة قادمة.
لذا نمسك في منطوق الفنان ( فاضل عباس ) ترجمة لإعماله (( شكل لي الرسم منذ زمن بعيد ملجأٌ وملاذاً للهروب من هموم ومشاكل الحياة والحروب والأزمات التي عاشها البلد والمنطقة. لذا عندما أتوجه الى الرسم، أترك كل الاهتمامات الأخرى وقد كيفت حياتي على هذا النمط)).
ترى، مازال للفن رسالة ” ضمنية” يحملها ونحن في عصر المغايرة وحداثة الأساليب، وأن الشكل هو المتقدم دوما في صناعة العمل الفني نظرا لما يبثه من متعة جمالية وبما يوصله مع الآخر من شعور دون الوصول الى معنى ..؟
إن ما يرسمه فاضل عباس من مشاهد الحياة اليومية، وعبر انشغاله التكويني والموضوعي للوحة فهو إشارة لمكامن الجمال في الأشياء حتى وهي في مألوفيتها، مراهناً على دفقها الشعوري بالاحتفاظ كونها ستصبح ذكرياتٍ ذات يوم، لآنها تنأى عنا شيئاً فشيئاً. لذا هو يجدُ في المحافظة على أسلوبيته الواقعية ــ التشخيصية حد التقليد. متخذاً هذه الأسلوبية خطاً مستقيما ً، تاركاً وراءه تغايرات العصر والتحولات الأسلوبية المنبثقة من روح العصر وأزمات العالم. وكأن بالفنان مقيم أبداً في حيزه هذا وغير منفتح على إطلالاتٍ جديدة تخصبُ عمله الفني.