بغداد ـ وداد إبراهيم:
الآثار هي حلقة الوصل بين الماضي والحاضر، والولوج في عمق تاريخ بلاد الرافدين يجعلنا نتجول في أعماق هذه البلاد العريقة، فنفخر ونحن نتطلع إلى مجد العلم والأدب والفن والكتابة والتشريع والتدوين. في كل مكان أثر، وفي كل زمان حضارة، وبين الآونة والأخرى، تخرج علينا التنقيبات الأثرية في القرى والمدن في عموم العراق باكتشافات أثرية تُضاف إلى مجد تاريخ العراق العظيم. ولعل آخرها كان عظمة الآثار المكتشفة في تل ششين، أحد المواقع الأثرية بمدينة الأنبار، وتحديدًا في ناحية البغدادي على الضفة اليسرى لنهر الفرات. يتميز الموقع بارتفاعه ومساحته الاستراتيجية. أصيب الأثاريون بالدهشة أمام وحدة بنائية تعود إلى العصر البابلي، وأجمل ما في الاكتشاف وجود لقى أثرية مهمة، ما يدل على أن الموقع كان محطة بين مملكتين، هما ماري وبابل.
ولنعرّج على مملكة ماري، أو ماهياري، (بالمسمارية: تل حريري) “التي كانت دولة سامية قديمة تقع في سوريا حاليًا، وتشكل بقاياها تلاً يقع على بعد 11 كيلومترًا شمال غرب مدينة البو كمال على الضفة الغربية لنهر الفرات”.
وقال مفتش آثار وتراث الأنبار “عمار علي حمدي” في تصريح صحافي: “إن مفتشية آثار الأنبار أكدت أن هذا الموقع يتميز بارتفاعه البالغ 52 مترًا عن مستوى النهر ومساحته التي تصل إلى سبعة دوانم، مما يجعله من المواقع الاستراتيجية البارزة في المنطقة”.
وكان هذا الموقع قد شهد تنقيبات أثرية في التسعينيات من القرن الماضي ضمن مشروع “إنقاذ آثار سد البغدادي”، حيث تم اكتشاف رسائل اقتصادية موجهة إلى الملوك، وألواح تصور مشاهد حربية وأختاما أسطوانية. كان الموقع محطة رئيسة على الطريق التجاري، ما يعكس الأهمية التاريخية والاقتصادية لهذا الموقع، لكنه ظل كما هو دون أن تجرى عليه أي تحسينات أو حتى تحويله إلى منطقة سياحية تُضاف إلى المواقع الأثرية في عموم محافظات البلاد.
أحد الآثاريين في دائرة الآثار والتراث شاركنا بقوله: “إن الآثاريين يعرفون أن الأنبار من المدن الغنية بالمواقع التاريخية والحضارية والسياحية، وهذا يضعها ضمن أهم المدن التي يجب أن يكون لها دور في خريطة السياحة بالعراق”. وأوضح أن هذا يؤهلها لتكون ضمن برنامج السياحة الذي تعده دائرة السياحة، إحدى تشكيلات وزارة الثقافة والسياحة والآثار، حيث يتم تدريب أدلاء سياحيين للتعريف بهذه المواقع السياحية المهمة. وفي محافظة الأنبار أماكن تاريخية وتراثية تمكنها من الاستفادة اقتصاديًا عبر مواردها، وتنشيط السياحة في مختلف أقضيتها التي تحتوي على مرافق ترفيهية جاذبة للسياح، من خلال إعداد الخطط والبرامج للنهوض بهذا القطاع المعطل والمهمَل منذ عقود.
ويُعرف أن مدينة الأنبار تحتوي على العديد من المواقع الأثرية التي تعاني الإهمال بسبب الظروف التي تعرضت لها المدينة خلال أحداث 2019 واحتلال داعش لبعض المدن في عموم البلاد. إضافة إلى ذلك، فإنها تخلو من الفنادق أو أماكن الإقامة أو البيوت السياحية، لذا فعلى دائرة السياحة بناء مشاريع سياحية كبيرة تستقطب السياح من داخل البلاد وخارجها بعد استتباب الأمن في عموم البلاد، وعقب تحرير جميع المدن من هيمنة داعش، من أجل النهوض بالاقتصاد العراقي عبر السياحة الأثرية.