تمهيد :
مودةُ أهل البيت (ع) – والحسن (ع) منهم في الصميم ، مفروضة على الأمة بنص القرآن :
( قل لا أسألكم عليه أجراً الاّ المودة في القربى )
الشورى /23
وشخصيته الفذة المعصومة من الخطايا والأخطاء يشهد له فيها الكتابُ العزيز حيث قال – جَلّتْ آلاؤه –
( انما يُريد اللهِ لِيُذْهِبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيت ويطهركم تطهيرا )
الاحزاب /33
وأحاديثُ جَدِّهِ المصطفى (ص) عنه ترن في سمع الزمن جيلا بعد جيل :
( مَنْ سرّه أنْ ينظر الى سيد شباب أهل الجنة فلينظر الى الحسن بن علي)
لقد راى الأقرع بن حابس رسولَ الله (ص) وهو يقبّل الحسن (ع) فقال :
انّ لي عشرةً من الولد ما قبّلت أحداً منهم ، فقال (ص) :
” مَنْ لا يَرحم لا يُرحم “
وقد جاء في صحيحي مسلم والبخاري مرفوعاً الى البراء قال :
” رأيت رسول الله (ص) والحسن بن علي على عاتقه يقول :
اللهم اني أُحبّه فأحبّه “
-1-
واليك بعض ما قيل فيه :
قال محمد بن اسحاق :
” ما بلغ أحدٌ من الشرف بعد رسول الله (ص) ما بلغ الحسن ،
كان يُبْسطُ له على باب داره فاذا خرج وجَلَسَ انقطع الطريق فما مرّ أحدٌ من خلق الله إجلالا له ،
فاذا عَلِمَ قام ودخل بَيْتَهُ فمّر الناس ..!!
وقال واصل بن عطاء :
” كان الحسن بن علي (ع) عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك “
وقد قيل له :
” أنّ فيك عظمةُ ” فقال :
” بلْ فيّ عِزّةٌ ،
قال الله تعالى
( ولله العِزّةُ ولرسوله وللمؤمنين )
8 / المنافقون
-2-
يمكننا أنْ تقول :
انّ تعظيم الله جلَّ جلالهُ، وعبادته والخشية منه تتناسب تناسباً طرديا مع عمق المعرفة به .
ومِنْ هنا تجد أنَّ الامام الحسن (ع) كان اذا توضأ ارتعدتْ مفاصِلُه واصفر لونُه …
قيل له في ذلك فقال :
” حقٌ على كل من وقف بين يديْ ربِّ العرش أنْ يصفر لونه وترتعد مفاصله “
وكان الحسن (ع) يقول :
اني لاستحيي من ربي أنْ ألقاه ولم أمشِ الى بيتِهِ ،فمشى عشرين مرّةً من المدينة الى مكة .
وكان اذا ذَكَرَ الموتَ بكى ،
واذا ذَكَر القبرَ بكى ،
واذا ذَكَرَ البعث والنشور بكى
واذا ذَكَر الممرَ على الصراط بكى ،
واذا ذَكَر العَرْضَ على الله تعالى ذكرُه شهق شهقة يُغشى عليه منها ،
وكان اذا قام في صلاته ترتعد فرائِصُهُ بين يديْ ربِّه ،
وكان اذا ذَكَر الجنةَ والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار .
والسؤال الآن :
ألم يكن الامام الحسن (ع) يعلم بانّه سيد شباب أهل الجنة ؟
فلماذا هذا الخوف ؟
والجواب :
لقد عظُم الخالق في عينه فعظمت خشيتُه منه ، وهو لاشك يعلم بأنه سيد شباب أهل الجنة …
وكل ذلك من سمات العشق الالهي
-3 –
جاء في التاريخ :
انه (ع) كان في المسجد الحرام فسمع رجلاً الى جَنْبِه يسألُ اللهَ أنْ يرزقَهُ عشرة آلاف درهم ، فانصرف الى بيته وبعث اليه بعشرة آلاف درهم .
أقول :
انّ الرجل كان قد سأل ربه ولم يسأل الامام الحسن (ع)، ولكنّه (ع) بادر الى إغاثة هذا اللهفان، وتنفيس كربته، وقضاء حاجته، فكشف بذلك عما كانت تنطوي عليه نفسه الكبيرة من سمو ورفعة ومروءة وانسانية واهتمام بشؤون المستضعفين .
وهنا يكمن الدرس البليغ
حسين الصدر