(1)
بعيداً عن نشأة المسرح العراقي وسيرته الذاتية ، يمكن الإشارة الى (ستينات القرن الماضي وسبعيناته ) مثالاً لنهضة مسرحية تهيأت لها مواصفات النجاح بأعلى صورها ، ليس ابتداء بالعروض النوعية للاعمال المسرحية التي شهدت نشاطاً غير مسبوق ، ومن دون محاذير أقول : كان نشاطاً بلغ قمة التألق ليسجل بعدها تراجعاً محزناً ظل مع الأسف يواصل تراجعه لاحقاً … وليس انتهاء بطبيعة المرحلة او مصادفتها التي حظيت بجيل العمالقة من الجنسين ، نذكر منهم لأغراض الاستشهاد لا الحصر ، بدري حسون فريد ، زينب ، يوسف العاني ، خليل شوقي ، ناهدة الرماح ، سامي عبد الحميد … من دون اغفال الجيل الثاني الذي عاصرهم وشاركهم في الكثير من أعمالهم الإبداعية ، وقد اتسم هذا الجيل- زيادة على ماتمتع به من كفاءة ، وثقافة مسرحية – بوفائه لأساتذته من عمالقة فن التمثيل ، وتحليه بأخلاقيات المسرح النبيلة كلما تحدث احدهم عن ناهدة او شوقي او العاني او ..
لعل مانشرته جريدة الاهرام المصرية في تلك المرحلة عن المسرح العراقي ، يرسم صورة تدعو الى الفخر وتغني عن التحليل والكلام ، فقد عرضت فرقة المسرح الفني الحديث – اذا لم تخذلني الذاكرة – احد اعمالها في القاهرة ، ونال من الاعجاب والثناء والحضور الجماهيري الشيء الكثير …. ولذلك ظهرت الاهرام بكاريكاتير معبر … فهناك ( تابوت خشبي) كتبت عليه عبارة ( المسرح المصري) ، وهناك مواطن يحمل عصا بيده يضرب بها التابوت ، ويدعو ( المتوفى) أي المسرح المصري ان يستيقظ من موته ليرى المسرح العراقي ويتعلم منه !!
أعتقد جازماً في تلك المرحلة ، إن المسرح العراقي ( الجاد) اذا صَحتْ التسمية كان واحداً من ابرز العلامات الثقافية في أوساط المجتمع بحكم طروحاته الإنسانية والأخلاقية والفكرية من ناحية ، وبدلالة الاقبال الجماهيري اللافت للنظر من ناحية أخرى ، وازعم بأن العروض المسرحية باتت على حد سواء حديث الاسرة وحديث المقاهي والتجمعات الثقافية ، مثلما كانت محرضاً ثقافياً لانتقال الوهج المسرحي الى عموم المحافظات …غير إن عين حاسد اصابت المسرح ، فاذا به ينزوي ويتراجع في العقدين اللاحقين امام زحف لاعهد لخشبات المسرح الكريمة به …لعلنا نأتي على تشخيص الأسباب عبر وقفة مقبلة …
حسن العاني