سلام مكي
بنهاية هذا الاسبوع، يكون قد مضى أربعون يوما على رحيل الاستاذ اسماعيل زاير، ورحيله المفاجئ والمؤلم للوسط الصحفي والثقافي، هو مناسبة للحديث عن بعض من سيرة هذا الرجل، الذي أنفق وقته وجهده ومؤسسته لخدمة الثقافة والمثقف والانسان العراقي بصورة عامة. أذكر أنه في أيامه الأخيرة، والمرض بدأ يباغته، طلب مني ضرورة التواصل مع أسرة الراحل بلاسم محمد، لغرض إعداد ملحق خاص به، لإيمانه العميق بأن الرحل بلاسم محمد أسم مهم يستحق أن يسلط الضوء عليه. وقبل بلاسم محمد، استذكر الاستاذ اسماعيل الكثير من المثقفين ورجالات الدولة الذين ساهموا بتأسيس فكر وثقافة حرة. وأذكر موقفا إنسانيا منه، حين قصده أحد الكتّاب طالبا منه مساعدته في نشر كتابه على شكل حلقات، فوافق على الفور، كما منحه مكافآت مالية مقدما. وغيرها الكثير من المواقف الانسانية التي لو كان موجودا لرفض ذكرها. كان زاير يؤمن بأن على الصحافة مسؤولية تعريف القارئ بمن ساهم بصناعة الوعي وتأسيس خطاب وطني. وحتى في آخر لحظات حياته، كان بجعل صحيفته « الصباح الجديد» وسيلة لتخليد المبدعين وذكر مآثرهم وآثارهم، والسعي لتعريف القارئ بنتاجاتهم وأفكارهم. ولكون أن الراحل زاير، كان مشغولا بغيره، مشغولا بالفن التشكيلي، وبالصحافة التي منحها عمرا كاملا وبالثقافة التي ساهم بها، عبر تسخير مساحات واسعة من جريدته كي تحتضن كتابات الأدباء والصحفيين، وساهمت بصناعة رأي عام محايد، غير منحاز إلا للوطن، في وقت كانت أغلب الصحف تعمل لغايات حزبية ومصالح شخصية ضيقة، كان زاهدا بنشر نتاجاته الفنية والأدبية، فهو رسّام، لديه العديد من اللوحات التي تنتظر جمهورها في المعارض التشكيلية، ولديه مؤلف عن التشكيل العراقي، ينتظر الطباعة، ليكون شاهدا على تاريخ فن عريق كالفن التشكيلي العراقي. زاير، زهد بكل شيء، عدا أن يكون صوتا لمن لا صوت له. إن أربعينية الراحل اسماعيل زاير، يجب أن تكون مناسبة لميلاد جديد لهذا الرجل، ميلاد أكثر حضورا وفاعلية من ميلاده الأول، نستعيد فيه آثاره وفكره وما أنتجه من فن وثقافة لتكون شواهد على مسيرة هذا الرجل ودوره الفاعل والمؤثر في المشهد التشكيلي والثقافي داخل البلد.