تمهيد
أهم الشهادات الشهادة الحِسيّة التي تنبعث عن معايشة ومعاشرة ومجالسة .
والزهري هو ممن عايش الامام السجاد (ع) ووقف بنفسه على أحواله وهذا بعض ما قاله في الامام زين العابدين (عليه السلام) .
-1-
قيل للزهري :
لقيتَ عليّ بن الحسين (ع)
قال :
نعم لقيتُه ، وما لقيتُ أحداً أفضلَ منه، والله ما علمتُ له صديقاً في السر، ولا عدوا في العلانية .
فقيل له :
وكيف ذلك
قال :
لأني لم أَرَ أحداً وإنْ كان يُحبه الاّ وهو لشدّة معرفته بفضله يحسده ، ولا رأيتُ أحداً وإنْ كان يُبغضه الاّ وهو لشدة مداراته له يداريه .
أقول :
إنّ الامام السجاد يحسده الحاسدون انبهاراً بمناقبه وفضائله ومكارم أخلاقه ..
يحسدونه لأنهم لا يستطيعون أنْ يبلغوا معشار ماكان عليه من فضل وعبادة وتألق في سماء المعالي كلها
وكما قال الفرزدق :
اذا رَأَتْهُ قريشٌ قال قائِلُها
الى مكارم هذا ينتهي الكرمُ
-2-
ويقول الزهيري :
انه راى الامام السجاد (ع) في ليلةٍ باردةٍ مطيرة ، وعلى ظهره دقيقُ ، وهو يمشي
فقال :
يا ابن رسول الله ما هذا ؟
قال :
أريد سفراً أُعِدّ لُه زاداً أ، حمِلُهُ الى موضع حريز .
فقال الزهيري :
فهذا غلامي يَحْمِلُه عنك .
فأبى
قال الزهري :
أنا أحمِلُهُ عنك ،
فاني أرفَعُكَ عنْ حمله .
فقال علي بن الحسين :
ولكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ، ويُحسن ورودي على ما أرد عليه ،
أسألك بحّقِ اللهِ لمّا مضيتَ لحاجتك وتركْتَني ،
فانصرفَ الزهريُّ عن الامام .
وبعد أيام التقى الزهري بالامام السجاد فقال له :
يا بن رسول الله :
لستُ أرى لذلك السفر الذي ذكرتَه أَثَراً .
قال :
بلى يا زهري ،
ليس كما ظننتَ ،
ولكنّه الموت ، وله استعدّ
إنّما الاستعداد للموت تجنبُ الحرام وبَذْلُ الندى في الخبر “
البحار ج 46 ص 276-277
نقلا عن علل الشرائع
أقول :
انّ السيرة الحافلة بالجميل من الأفعال، والسديد من الأقوال والعابقة بشذا العبادة والاجتهاد في طاعة الله ، يرصدها الناس فينبهرون بها ويتمنون أنْ تضيء صحائف أعمالهم ببعض ما اتسمت به من سُمّوٍ وعظمةٍ
وقد يَحْسدُ بعضهم عليها .
وانّ السفر الى الآخرة لا يصح أنْ يغيب عنّا،
كما لا يصح ترك الاستعداد له بكل ما يتطلبه ذلك من محاسبة للنفس ومراقبه شديدة لها
وهنا تكمن العظة ،
فأين المتعظون ؟
نسأله تعالى أنّ يوفقنا واياكم للانتصار على أنفسنا ،
وحملها على الاهتمام بالزاد الى المعاد ،
انه هو المسدّد والموفق وهو نعم المولى ونعم النصير .
حسين الصدر
عن الامام السجاد (ع ) مغلقة