تعافي الاقتصادات ينعش الطلب
الصباح الجديد ـ متابعة:
استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على تذبذبات جديدة، لكنها تراجعت عن أعلى مستوى في عامين، الذي سجلته في نهاية الأسبوع الماضي بسبب جني الأرباح وتصحيح الأسعار، إضافة إلى حالة الترقب المرتبطة بمفاوضات القوى الدولية في فيينا حول الملف النووي الإيراني.
وتتلقى الأسعار دعما قويا من عدة عوامل، أبرزها تعافي الطلب وانتعاش موسم السياحة والقيادة الصيفية إضافة إلى تراجع المخزونات. ويعود رواج الطلب إلى انتشار لقاحات كورونا إلى جانب بيانات اقتصادية قوية في الولايات المتحدة والصين وأوروبا مع إنهاء كامل لحالة الإغلاق العام المشدد السابقة.
وقال مختصون ومحللون نفطيون «إن معنويات السوق تتحسن بشكل جيد وبوتيرة تفوق التقديرات السابقة نتيجة انتعاش الطلب واستمرار قيود العرض والحذر في التعامل مع موجة ارتفاع الأسعار من جانب المنتجين سواء في مجموعة «أوبك» أو خارجها».
وأشاروا إلى أن «أوبك+» تدير السوق بشكل جيد وبما يعزز التوازن ويضمن استمرارية تعافي الأسعار ويساعدها على ذلك تواصل حالة التباطؤ في الإنتاج الأمريكي بسبب معالجة الآثار المترتبة على أزمة الوباء.
وأشاد المختصون بتأكيد الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، في منتدى سان بطرسبرج، أنه ستكون هناك دائما كمية جيدة من المعروض لتلبية الطلب، مع التشديد على ضرورة أن يرى المنتجون الطلب قبل أن يزيدوا العرض.
وعدوا أن هذه التصريحات تؤكد أن «أوبك+» تضع توازن السوق في صدارة اهتماماتها وهو ما يبرر تمسك المجموعة حاليا باحتجاز نحو ستة ملايين برميل يوميا من النفط الخام.
وأشار المختصون إلى أهمية وتأثير توقعات «أوبك» هذا الأسبوع بأن مخزونات النفط ستنخفض بسرعة بدءا من آب المقبل مع تخفيف الإغلاق في الاقتصادات الرئيسة وانتعاش السفر، موضحين أن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى مخاوف من تسارع التضخم وإلى دعوات أطلقها المستهلكون تحث تحالف «أوبك+» على تعزيز الإنتاج.
وقال روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية «إن المكاسب السعرية القياسية التي بلغت أعلى مستوى في عامين جاءت بفعل طفرات الطلب وساعدها على ذلك أيضا التراجع في عمليات الحفر والإنتاج في الولايات المتحدة، حيث يطلب المشترون نفطا أكثر مما يضخه المنتجون، ما دفع أسعار خام برنت إلى تجاوز 72 دولارا للبرميل في ختام الأسبوع الماضي.
وأشار إلى أن تحالف «أوبك+» يكتسب قوة متزايدة بفعل التفاهم والتنسيق المستمر بين السعودية وروسيا وبتأثير من السياسات الإنتاجية المرنة للمجموعة، حيث بعد فترة من التشديد القياسي للعرض عادت المجموعة لضخ زيادات تدريجية تواكب تعافي الطلب وتتناغم مع ارتفاع الاستهلاك في فصل الصيف بشكل خاص، مرجحا استمرار هذه الزيادات في الشهور اللاحقة مع التخلص تباعا من آثار الجائحة وخفض فاتورتها الاقتصادية الباهظة.
من جانبه، أكد ألكسندر بوجل المستشار في شركة «جي بي سي إنرجي» الدولية أن حالة الحذر مهيمنة على أداء كل المنتجين تحديدا في الولايات المتحدة، حيث سيستغرق النفط الأمريكي وقتا طويلا للعودة إلى مستويات الإنتاج التي كان عليها قبل تفشي فيروس كورونا، وذلك بحسب بيانات اقتصادية دولية موثوقة.
وذكر أن آفاق السوق النفطية مبشرة ويراهن البعض على أنها على أعتاب موجة جديدة من الرواج الذي يعوض تأثيرات الأزمات الاقتصادية وعادة ما يعقبها، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن الاقتصاد الصيني سيستمر في النمو بمعدلات قوية وطموحة ما يساعد على تعزيز الطلب على النفط، الأمر الذي يدعم بدوره الاتجاه الحالي لاستمرار خفض مخزونات النفط الخام عالميا.
من ناحيته، قال ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة «إن الفترة المقبلة ستشهد نموا في معالجة المصافي لمزيد من النفط الخام لمواكبة ارتفاع استهلاك الوقود مع عودة حركة الطيران والسفر، وفي ظل كثافة التحرك على الطرق استجابة لرفع قيود التنقل في أغلب دول العالم».
وأشار إلى أن معوقات السوق في المرحلة الراهنة تتركز في استمرار أزمة الوباء في الهند ودول جنوب آسيا إضافة إلى حالة التخوف والترقب في السوق لمفاوضات فيينا النووية وسط إشارات على قرب التوصل إلى اتفاق، ما قد يكون بداية لعودة مزيد من النفط الخام الإيراني إلى الأسواق هذا العام بعد اتفاق محتمل مقابل تخفيف الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية.
بدورها، أكدت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، أن تعافي الطلب الآسيوي بشكل عام وبقيادة الصين دفع إلى تسجيل ارتفاعات سعرية قياسية، كما صدرت توقعات عن منظمة أوبك ترجح أن الطلب العالمي سيتجاوز العرض بشدة خلال بقية أشهر العام الجاري.
وأشارت إلى أن السعودية هي أبرز مصدر إلى الأسواق الآسيوية، حيث تعتمد على سياسات مرنة في الإمدادات النفطية وفي أسعار البيع، موضحة أن السعودية تضخ أكثر من 60 في المائة من صادراتها إلى آسيا وتحديدا إلى الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان، باعتبارهم أكبر المشترين مع مراعاة الأزمة الراهنة الخاصة بارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا المتحور وتراجع الطلب على الوقود في الهند.
وفيما يخص الأسعار، تراجع النفط أمس بعدما بلغ ذروة عامين فوق 72 دولارا، وذلك بفعل الضغط الناجم عن احتمال زيادة صادرات إيران، إلا أن تعافي الطلب وقيود الإمداد من «أوبك+» قدما بعض الدعم.
يزيد الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا مع تخفيف القيود المرتبطة بكوفيد – 19، كما تخفف الهند إجراءات العزل في خطوة أخرى قد تعزز استهلاك الوقود.
وبحسب «رويترز»، نزل خام برنت الخام 62 سنتا بما يعادل 0.9 في المائة إلى 71.27 دولار بعد افتتاح الأسواق الأوروبية، بعدما سجل في وقت سابق 72.27 دولار، وهو أعلى مستوى منذ أيار 2019.
ولامس خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 70 دولارا لأول مرة منذ تشرين الأول 2018، لكنه عكس الاتجاه ليجري تداوله منخفضا 66 سنتا أو 0.8 في المائة إلى 69.07 دولار.
وقال جيفري هالي المحلل في شركة السمسرة أواندا «مع بعض التحسن في ظروف الجائحة في الهند والتعافي في الولايات المتحدة والصين فيما تظل أوروبا على المسار، ينبغي أن يكون هناك إقبال على شراء الخام مع كل انخفاض».
وارتفع الخام على مدار الأسبوعين الماضيين وزاد برنت 37 في المائة منذ بداية العام بفضل قيود الإمدادات التي فرضتها «أوبك» وحلفاؤها وتعافي الطلب جزئيا من الانهيار الذي سببته الجائحة.
وتبدأ إيران وقوى عالمية جولة خامسة من المحادثات في العاشر من حزيران في فيينا قد تشمل رفع الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على صادرات النفط الإيرانية.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام «أوبك» وسجل سعرها 70.21 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 69.89 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» «إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق سادس ارتفاع له على التوالي، كما أن السلة كسبت نحو ثلاثة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 67.32 دولار للبرميل».