متابعة الصباح الجديد:
صدر العدد الثاني من مجلة “الأديب” الثقافية التي يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم، وهو عدد خاص بـ “التنوير النسوي”، شاركت فيه باحثات وأكاديميات عراقيات وعربيات في خمسة محاور أساسية: “الجندر والجنوسة ودراسات التابع”، وقد زيّن الغلاف الأول لوحة للفنان السوري صفوان داحول، بينا زيّن الغلاف الأخير لوحة للفنان السوري إبراهيم برغود. وتصدّرت كلمة رئيس التحرير المعنونة بـ “في التنوير النسوي” بحوث العدد، حيث جاء فيها:
“لعل أهم نقطة تحوِّل في سياق الرؤية النسوية للعالم، بدأت بتشكيل (نسوية عالمية) عابرة للنسوية الغربية وخاصة بعد إدخال مفهوم التمكين – cmpowcr ment – بوصفه تحوّلا في حياة المرأة لتختفي منها التفاوتات القائمة على الطبقة والعرق والنوع الاجتماعي في بلدان العالم”، أما نقطة التحوّل الأكثر أهمية فقد بدأت مع ظهور “الاستشراق” لإدوارد سعيد في تفكيك المنطق الداخلي للاستعمار القائم على مفاهيم الاستشراق الجنسي، وذلك من خلال مجازات الخيال الأوروبي، ومن جدلية الاستشراق ظهرت دراسات نسوية جديدة في (التابع والهامش والمركز) لكتابة تاريخ جديد للمرأة الشرقية، وظفت فيه مفهوم (التمثيل) الذي استخدمه فوكو وطوّره إدوارد سعيد من منظور نقدي استشراقي.
ومن هذا المنطلق اصطلح رئيس التحرير على تسمية الدراسات النسوية بـ (التنوير النسوي) لكسر إطار ما هو متحفظ ونمطي وتقليدي في سياق المرأة والجنوسة والحياة الجنسية والعلاقات السريرية بين الجنسين، وقبل ذلك، نعني بالتنوير، تمكين المرأة من التحرر، فالتحرّر لا يتحقق إلا في إطار التنوير.
ورغم أن المحاور المطروحة لهذه الدراسات تعنى بـ “الفكر النسوي”، فقد خرجت عنها بعض الاكاديميات والباحثات بـ “الأدب النسوي”، مما صار الجمع بينهما ضرورة لا بد منها، في حين كنا نسعى بقوة التوجه نحو الاختلاف مع السائد في طرح (الفكر النسوي) بأفق تنويري أوسع من ذلك.
ويذكر، أن المفكِّرة التونسية الدكتورة آمال قرامي، قدّمت العدد في مقاربة نقدية مفتوحة حملت عنوان “الحركات النسوية (في العالم العربي) تحت المجهر”، حيث ساءلت فيه الفكر النسوي المعاصر، ورصدت أهم التحوّلات التي عصفت بالعالم، وذهبت إلى أننا تأخرنا في إثارة الأسئلة الجوهرية، والشروع في المراجعات والتعديل وتصحيح المسار النسوي، وحدّدت في مقاربتها خمس قضايا نسوية: (النسوية العربية: صيغة المفرد أم الجمع ؟ / النسوية العربية وبؤر التحديق / النسوية الإسلامية في استراتيجية التعامل مع الموروث الديني/ إرهاصات تشكل حركات نسوية جديدة).
تقول المفكِّرة التونسية قرامي: “عثرنا على قوى ضغط يمينية مسيحية تراقب أجساد النساء وتمنعهن من ممارسة الإجهاض، ووجدنا مجموعات ايديولوجية أخرى تقطع التمويل على مؤسسات جامعية فتجبرها على غلق أقسام دراسات الجندر والنسوية”.
كما شاركت عالمة الآثار العراقية الدكتورة زينب البحراني أستاذة تاريخ الفن والآثار في جامعة كولمبيا بدراسة حملت عنوان “الجنس والجنوسة والجسد في فن بلاد ما بين النهرين”.
وقدّمت الدكتورة سوسان جرجس دراسة ميدانية بعنوان “الجسد المستهلك: دراسة جندرية حول الطلاق في منطقة عكار – لبنان”، حيث قامت فيها بتفكيك إشكالية (ظاهرة الطلاق) وما تنطوي عليه من مشكلات نفسية واجتماعية، واقتصادية، وذلك من خلال دراسة أدق التفاصيل الانثروبولوجية.
وساهمت الدكتورة هناء خليف غني بترجمة أكثر الموضوعات النسوية جدة حداثة (السايبورغات النسوية) بوصفها مخلوقات ما بعد جندرية، أي كائنات هجينة، واستناداً إلى هذا الافتراض، يؤدي تفكيك التقسيم المبني على الجندر إلى الحد من هيمنة بناء السلطة البطرياركية (الأبوية) في المجتمع مستقبلا.
أما الكاتبة الأردنية سامية العطعوط، فقد كتبت دراسة تركزت على “الخطاب النسوي المعاصر” تناولت فيها “تشتت المركز ووهم الانتصار”.
وشاركت الدكتورة نوافل الحمداني الاستاذة في جامعة ديالى بدراسة “جنوسة الأدب النسوي: ما تكتبه المرأة في عالم متغيّر”، ومن أهم القضايا المصطلحية التي عالجتها فيها “الجنسانية” بوصفها “أوسع دلالة من الجنوسة، وربما تحتويها، وتتجاوزها.
وقدمت “الأديب الثقافية”، ترجمة لفصل من كتاب “أنا قتلت شهرزاد” للشاعرة والصحفية اللبنانية جمانة حداد، ويُعد هذا الفصل من أهم المقالات المثيرة للجدل والحوار الثقافي في تالريخ النسوية العربية.
وكتبت الدكتورة فوزية الجابري أستاذة مادة السرديات في جامعة المثنى دراسة عن “صراع الأضداد واختلاف الهوية” بحثت فيها فضاء الحرب وسردياتها الروائية.
أما الدكتورة أنصاف سلمان علوان، أستاذة الأدب العربي والدراسات الثقافية، فقد قدمت دراسة لأهم الـ “علامات في رحلة النساء الروحية في الرواية النسائية العراقية”، حيث ذهبت فيها إلى وجود أسباب محرِّكة ودافعة، جعلت الرواية العربية تجنح إلى جعل الأسطورة واجهة تمرّر من خلال رموزها ما لم تستطع التشهير به، ربما لأن روائييها ينتمون لبلاد تستبد بحرية الرأي والفكر، وهذا ما تتقاسمه كل البلاد العربية”.
وقدّمت الشاعرة والكاتبة العراقية دنيا ميخائيل من اميركا، دراسة مترجمة للبرفيسورة الأميركية جوديث بتلر من جامعة جورج واشنطن، بعنوان (الجنس – الجندر: ظواهر وآراء نسوية”.
وشارك الناقد والكاتب العراقي عباس عبد جاسم بدراسة حملت عنوان “علاقات الهيمنة في تاريخ النساء”، وفيها يتساءل الكاتب: من أين ينبغي تفكيك علاقات الهيمنة في تاريخ النساء: من عيوب كتابة التاريخ الرسمي له أم من تغييب دلالات المسكوت عنه؟ وإن كان تاريخ النساء قد تفكّك إلى (تواريخ نسائية) متعدّدة بتعدد الأعراق والطبقات والثقافات، فما الحلول والصياغات البديلة لإعادة كتابة (تاريخ النساء) بوعي جديد غير منقسم على ذاته؟ ويرى الكاتب أيضًا: شهد تاريخ النساء في العصرين الأموي والعباسي، وخاصة في عصر الانحطاط العربي تطورا ًفي تاريخ الأنساق الجنسانية يفوق ما صوّره الآخر من (عِرق وجنس ومستعمرات) جسدية، كما عدّ الكاتب تاريخ النساء – مجالا حيويا مفتوحا للتحرّي والتأويل والتحقيق في سياق تشكيل الرؤية النسوية للعالم، وخاصة بعد أن تغيّرات أنماط الأسئلة: ما عوامل استمرار(تاريخ النساء) بعد انقسام الوعي النسوي على ذاته؟ وما عوامل الانقطاعات الحاصلة في تاريخ النساء؟ وهل سيُعنى تاريخ النساء بالعلاقات بين الجنسين أم بتاريخ الجنسانية بأفق أوسع منهما؟