ليست مصادفة منح جائزة نوبل للسلام هذا العام إلى برنامج الأغذية العالمي،باعتباره منظمة دولية تعنى بمكافحة الفقر والجوع لدى الملايين من البشر،في ظل غياب الرحمة وعدم العدالة في توزيع الثروات والخيرات،وتزايد المسافة بين الأثرياء المتخمين والفقراء الجائعين،في كل انحاء العالم الذي يعاني من غياب الأمن والسلام!
توفير الغذاء لملايين الأفواه الجائعة والحشود المتزايدة يعد من ضروريات الحياة واستمرارها على كوكب الأرض،وتؤكد أغلب النظريات الاقتصادية على أن مشكلة الجوع ليست ناجمة عن قلة الموارد والثروات الطبيعية، ولكنها ظاهرة مفتعلة تعود إلى سوء التوزيع وفشل الإدارة والفساد والصراعات والحروب،وكلها سلوكيات بشرية خاطئة يفترض أن تتعاون البشرية على معالجتها من خلال المنظمات والحكومات والاتفاقيات،فنحن نعيش في عالم واحد متقارب،ولا يمكن للأغنياء تجاهل صرخات المحرومين ومعاناتهم!
الأمم المتحدة أشارت في بيان في هذا الصدد إلى جوهر مشكلة الجوع بالقول:
” أينما وجد الصراع، وجد الجوع. وأينما وجد الجوع، غالباً ما يكون هناك صراع. اليوم هو تذكير بأن الأمن الغذائي والسلام والاستقرار أمران متلازمان. من دون سلام، لا يمكننا تحقيق هدفنا العالمي المتمثل في القضاء على الجوع؛ ومع وجود الجوع، لن ننعم أبداً بعالم يسوده السلام”.
الجوع والصراع متلازمان،وفق ذلك التفسير الأممي،أحدهما يؤدي إلى الآخر، في دورة شريرة لا تنتهي كما يبدو، حتى تضع الأمم أوزارها وتعلن السلام الشامل،وينتصر العلم على الجهل،ويسود العقل على الدجل، وذلك حلم بعيد،فالأسلحة الفتاكة بيد الشياطين ما تزال تحصد أرواح الناس يومياً، وتدمر حياة الملايين وتلقيهم في طاحونة الفقر والجوع والفوضى!
تطوير الزراعة وتحسين صناعة الغذاء وتوفيره للجميع،دون تمييز،تعد من الأهداف السامية للبشرية، لكنها تصطدم بمصالح الدول المهيمنة التي تعمل على صناعة الموت وفرض الحصارات وتدمير حياة الشعوب وتجويعها، وتوظف تلك الدول سنوياً مبالغ هائلة لصناعة الأسلحة وتكديسها،ففي كل عام يتم إنتاج 12 مليار رصاصة؛ أي ما يكفي لقتل كل شخص في العالم مرتين،فضلاً عن أسلحة الدمار الشامل التي تكفي لتدمير الكرة الرضية ومن عليها، مرات عدة!
العراق من بين البلدان التي يفترض ان تكون غنية بمواردها الطبيعية والبشرية،لكن نسبة الفقر في تزايد خطير،وهناك احصائيات تشير إلى أن نسبة الفقراء في بلد الخيرات والحروب قد وصلت إلى نحو 30% من عدد السكان الذي يقدر بأربعين مليون، وهو عدد مقبول يفترض أن يتمتع بالرفاهية والرخاء لو أديرت ثرواته بحكمة ونزاهة!
إذا كانت السياسة الدكتاتورية قد حطمت قدرات العراق وأدخلته في نفق مظلم من الحروب الخاسرة ضد جيرانه ومن ثم الحصار الدولي، فقد كان يفترض أن تكون الديمقراطية الجديدة فرصة لإعادة هذا البلد المنكوب إلى مكانته اللائقة،فلا فقر ولا جوع ولا حرمان، ولكنها أضغاث أحلام تبخرت،وخيرات تبددت،في ظل الانقسام والصراع على السلطة والتكالب على المغانم والتغالب على الحصص،وتلك قسمة ضيزى،جعلت من الأقلية الطارئة الفاسدة تستولي على الثروات،وقد حرمت الأغلبية من أبسط حقوقها،وهذه المعادلة غير المتوازنة من علامات الزوال لو كانوا يعلمون!
د. محمد فلحي