د.محمد فلحي
فن السرقة أصبح شطارة،أو لعبة كبيرة يجيدها أشخاص بارعون مشهورون،ونوعية السرقات لم تعد مبالغ قليلة أو أشياء تافهة،فقد تبخرت المليارات، وقيدت الجريمة ضد معلومين وليس مجهولين،وبات المواطن الفقير والموظف المسكين يحاول توفير قوت يومه بصعوبة، في ظل أزمة صحيّة ومالية قاسية!
هناك من يسرق مبلغاً من جيبك، أو يسطو على سلعة في بيتك،وسوف يكون تحت طائلة القانون، ولكن من يسرق عمرك ويتاجر بحياتك، فإنه لا يسمى لصّاً، ولا يعاقب، وتجده ضيفاً دائماً في وسائل الإعلام!
الصحفي الفلسطيني الأصل أسامة فوزي يخصص في صحيفته(عرب تايمز) زاوية بعنوان(لصوص ظرفاء) منذ نحو ثلاثة عقود، يفضح من خلالها لصوص المقالات والمواد الأدبية الذين لا يتورعون عن (خمط) كتابات غيرهم ونشرها بأسمائهم(أي اللصوص) من أجل الشهرة او الحصول على مكافآت مالية بسيطة!
في أغلب البلدان العربية لا يحاسب لصوص الكلمات وفق القانون إلا نادراً،ولا يستطيع كثير من الكتاب والأدباء مراجعة المحاكم من أجل سرقة أدبية،فهم بعيدون عن مراكز الشرطة والمحاكم لأنهم ناس طيبون متسامحون!
ما زلت اتذكر في طفولتي،في القرية،أن هناك لصوص صغار كانوا يتسلقون جدران البستان ليلاً، ويصعدون على النخلات المثمرات،ويضعون في جيوبهم حفنات من التمر ثم يفرون،وكنا نعرف بعضهم فنخبر الجد رحمه الله،فيقول: لا تسمونهم حرامية،هؤلاء خطية قاتلهم الجوع، ولو لم يكونوا جائعين لما تسلقوا الجدار منتصف الليل وصعدوا النخلة العالية وواجهوا الشوك واحتمال السقوط من أجل حفنة من التمر..العصافير تأكل من التمر أكثر منهم فدعوهم!
لم يكن في قريتنا سوى الراديو الذي يجلب أخبار العالم البعيد،وكان الحكام بعيدون في بغداد لا نراهم،وكان نباح الكلاب على أشباح اللصوص، بعد منتصف الليل،يؤرق نومنا الهاديء!
الان أصبح العالم كله بين أنظارنا عبر الشاشات،وتكاد ساعات الليل والنهار لاتكفي لمشاهدة ومتابعة وقراءة كل ما يتدفق من صور ووجوه وكلمات،فنظل نطلب المزيد في إدمان بلا حدود!
الأعجب في هذا الفضاء المفتوح أن اللصوص الظرفاء تكاثروا وتغيروا وتطوروا مع تطور التقنيات،لم يعودوا متخفين أو خائفين أو فقراء جائعين..لصوص أثرياء يرتدون بدلات أنيقة،ويتقلدون أرفع المناصب،ويعرفهم الجميع بالصورة والصوت،وتجعلهم الفضائيات ضيوفاً محترمين،في ليل صاخب،يلقون المواعظ على الناس حول النزاهة والشرف والوطن!..ضاع السارق والمسروق!