محمـد زكي ابراهيم
دأب المفكرون العرب على توجيه انتقادات لاذعة للعقل العربي، وإسباغ الكثير من النعوت القاسية عليه، لكونه لم يستطع تجاوز محنته أمام العقل الغربي. ولم يتمكن من بناء مجتمعات سليمة، مكتفية بذاتها أمام الآخرين.
وبنظر هؤلاء فأن أزمة الإنسان لدينا هي أزمة فلسفية. وليس ثمة حلول لها إلا بالفلسفة. فالعقل العربي عقل “خامد” توقفت إمكاناته في زمن ما، ولم يعد قادراً على إنتاج فلاسفة كبار، أو صغار. أي أن المجتمع خرج من طور الإبداع إلى طور التقليد.
ولأن الحاجة تدفعه إلى الأخذ عن الآخر الغربي، فإن ذلك هو أكبر عيوب العقل العربي، وأحد أهم الإشكالات التي تسجل عليه. إذ بدا مستسلماً، خانعاً، ذليلاً، يرزح تحت نير التبعية العلمية والتقنية والسياسية. وينشد الاستنارة في عقول غيره، محاولاً عن طريقها إغناء منظومته الفكرية.
وذهب البعض إلى أن هذه التبعية، التي لم ينج منها أحد من النخبة، تدل على عقل غير ناضج، يحاول استنساخ تجارب الآخرين، ثم يقوم بمناطحتها بما لديه من مقولات متوارثة قديمة.
وهكذا فإن العقل العربي بنظر برهان غليون، وعبد الله العروي، ومحمد أركون، والعديد من الكتاب العرب والمستشرقين، هو عقل غير منتج، يبحث عن العون لدى عقول أخرى. وهذه ميزة سلبية، لا تؤهله لتحديث مجتمعه، أو السير به نحو الكمال.
غير أن هناك من يرى، مثل محمد عابد الجابري، أن العقل العربي عقل ثابت غير قابل للتعديل والتطوير. فهو ينتج معايير، ويعمل على وفق معايير أخرى. وهو يشبه العقل الأوربي في العصور الوسطى، فينزع نحو “الثابت على حساب المتغير، والسائد على حساب المتجدد”. يميل للإجماع، وينفر من التعدد والاختلاف!
لقد اختزلت مشكلة العرب لدى هؤلاء وسواهم، بالعقل المحافظ، التقليدي، غير القابل للثورة على القديم، والمعتمد بشكل كلي، على المفاهيم العقلية الغربية. وبذلك أغلق الطريق بوجهه. ولم تعد لديه فرصة للنجاة إلا بالهجرة، أو الاضمحلال، أو الموت.
ولم يقترح هؤلاء حلولاً ما، لهذه الأزمة. مثلما فعل الآسيويون، وغيرهم في القارات الأخرى في زمن متأخر. فقد تجاوزت اليابان أزمتها باستنساخ التجربة الأوربية في أواخر القرن التاسع عشر، وغادرت الصين ضعفها حينما قام دنغ هسياو بنغ في ثمانينات القرن الماضي باستنساخ تجربة سنغافورة، القريبة منها. وهي بلد صغير لا تزيد مساحته عن 700 كيلو متر مربع، ولا يتجاوز عدد سكانه الثلاثة ملايين!
ولم يسأل أحد اليابانيين والصينيين مثلاً، إن كانوا تخلوا عن الحقيقة المطلقة التي آمنوا بها آلاف السنين، وأحلوا محلها الحقيقة الموضوعية اللايقينية. وهل أضفوا صفة المطلق على العلم، ليجعلوا منه معرفة مقدسة، كما يراد للعرب أن يفعلوا، أو لا.
وإذا كان نقد العقل العربي غير قادر على إيجاد حلول، فما نفعه إذن. وما هي ضرورته كي يقرأه الناس، ويفتتنوا به، إلا أن يكون مجرد تنظيرات لا تثبت حقاً ولا تدحض باطلاً؟