د.محمد فلحي
الرئيس الأميركي دونالد ترامب غاضب من شركة(تويتر) لأنها لم تحترم تغريداته،وراحت تضع علامات استفهام حول مدى مصداقية الرئيس الذي يغرد عبر منصة تويتر،مرات عدة يومياً، ويتابعه ملايين القراء في العالم!
الرئيس في ورطة لأن القانون يمنح شركات الانترنيت سقفاً عالياً من الحرية، لكن بعضها استغلت تلك الحرية،كما يقول ترامب،وراحت تمارس احتكاراً وتحكماً في المعلومات لا يتفق مع روح الدستور الأميركي،على حد وصفه، وهو ما دعاه إلى إصدار مرسوم تنفيذي جديد يحد من الحماية القانونية الممنوحة سابقاً لتلك الشركات!
معركة ترامب مع تويتر تصاعدت ولم تتوقف بعد إصدار المرسوم الرئاسي، فقد
وجهت شركة تويتر ضربة جديدة إلى تغريدات الرئيس، بسبب تغريدة وصفتها الشركة بأنها “تُمجد العنف”، وذلك وسط تصاعد المواجهة بين ترامب وتويتر حول “حرية التعبير”.
وكان الرئيس الأمريكي يعلق على أعمال الشغب في مدينة منيابولس بولاية مينيسوتا، مع تصاعد حدة الاحتجاجات إثر وفاة المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد، الذي ظهر في فيديو، وهو يجاهد لالتقاط أنفاسه بينما يضغط ضابط شرطة أبيض بركبته فوق عنقه.وحذر ترامب من أنه “عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار”، واصفاً المتظاهرين بقطاع الطرق!
شركة تويتر وضعت تحذيراً يخفي تغريدة ترامب قبل إمكانية الضغط على علامة الاستمرار لرؤيتها، كما منعت التعليق عليها أو الإعجاب بها أو إعادة تغريدها، قائلة إن”هذه التغريدة تنتهك قواعد تويتر بشأن تمجيد العنف، لكن قررنا أنه قد يكون من المصلحة العامة الإبقاء على إمكانية الوصول إلى التغريدة”.
لا شك أن تعليق الشركة يمثل صفعة قاسية للرئيس،وسط العلاقة المتوترة دائماً بين الرئيس الأميركي ووسائل الإعلام، ليس خلال رئاسته فحسب،بل طوال تاريخه المهني،لأن ترامب الذي اعتمد على قوة المال في وصوله إلى السلطة، كان وما زال يعتقد أن كل شخص وكل شيء يمكن شراؤه بالمال، ومن ضمن ذلك بالطبع الخطاب الإعلامي، وهو منطق يندرج ضمن المنهج الدكتاتوي،الذي يصطدم بالقوانين الأميركية التي تنظم حرية الإعلام وتضمن حق المعلومات وتمنع طغيان السلطات، حتى لو كان ذلك في الظاهر، وما خفي أدهى وأمرّ!
قراءة هذه الوقائع يمكن أن تجري من زوايا مختلفة،من أهمها أن سلطة الإعلام أصبحت في الواقع أعلى من كل السلطات،وإن قوة المعلومات الناعمة تعد أشد فتكاً من مفاتيح الصواريخ النووية النائمة،وأن رئيس الدولة العظمى يلجأ للتغريدات المطعون في مصداقيتها، ويعبر عن انزعاجه وشعوره بالظلم ويتبهذل يستجدي العطف من الرأي العام،في ظل أزمة كورونا وسط التحضيرات لحملته الانتخابية الثانية،فقد تمرغت هيبة كرسي الرئاسة في وحل مواقع التواصل!
من زاوية أخرى، يمكن ان نقول أن كل هذه المواقع هي شركات أميركية،ومع ذلك فقدت السلطة السياسية القدرة على التحكم فيها،فماذا نقول نحن في بلدان مستهلكة للمعلومات الرديئة،الحكام فيها لا يحسنون استعمال سلاح المعلومات،ويستخدمون ما بين أيديهم من وسائل ذكية ليس للتواصل المفيد ولكن للتعصب والصراع والتسقيط والكذب، أما المحكومين فلا يدركون خطورة المعلومات،والكل يغرقون في (قمامة المعلومات) بلا تنظيم ولا قانون ولا وعي!