د.محمد فلحي
أزمة فايروس كورونا فرضت على البشرية ظواهر وسلوكيات جديدة لم تكن تخطر في الأحلام أو الخيال،وسوف تتفاعل نتائج هذه الأزمة في المستقبل نحو تشكيل عالم جديد يقوم على التقارب الإلكتروني والتباعد الاجتماعي والجغرافي،وذلك ما نرى ملامحه هذه الأيام من خلال التوجه إلى تطبيقات التعليم الإلكتروني والإدارة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والطب الإلكتروني وغيرها،ولا شك أن هناك أسواق عالمية فقدت في ظل الأزمة هيمنتها، وفي مقدمتها سوق النفط، عبر الانخفاض الحاد في الطلب وتدهور الأسعار،وهو ما يجعل أغنياء الثروات الطبيعية المستخرجة من باطن الأرض فقراء في عصر ما بعد كورونا، وعليهم العمل والاستثمار فوق الأرض،وبخاصة في عقول البشر وتقنيات الذكاء الاصطناعي والمعلومات والإعلام الجديد الرقمي التفاعلي!
قد يكون من المؤسف القول أن الكثيرين سوف يفقدون مناصبهم ووظائفهم الإدارية التقليدية،في ظل نظام إداري الكتروني ذكي، وسوف يكون الموظف جالساً في بيته، وليس في دائرته،في كثير من الوظائف والمهن، التي كانت حتى وقت قريب تعد من الأعشاش الورقية الغارقة في البيروقراطية والفساد!
الصورة العاكسة للحظر الصحي يمكن النظر إليها من خلال اللجوء الاضطراري إلى الاجتماعات والمؤتمرات والندوات والدروس عن بعد، عن طريق تطبيقات الفيديو عبر الإنترنيت، التي أصبحت منتشرة هذه الأيام مثل Google meet وMicrosoft meet وzoom meet ،فقد أصبح اللقاء افتراضياً بعد أن عزّ اللقاء وجهاً لوجه، وترى اليوم أغلب الناس يتحاورون عبر الشاشات،ويعملون في مساكنهم، دون عناء الوقت وجهد الطريق وزحام المرور وإزعاج المدير، وفي المستقبل القريب، سيصبح كل شخص هو مدير نفسه في بيته،بشرط أن يرتقي في مهاراته الشخصية إلى التعامل النشط مع الأجهزة الذكية، ودون ذلك سيجد مكانه بين المتقاعدين!
لا غرابة في مجل الإدارة الجديدة أن يعقد رئيس الوزراء اجتماعاً مع وزرائه عبر الانترنيت،ولا مشكلة عندما يقود الوزير المدراء العامين من خلال الموبايل،ولا مانع من أن يلقي الأستاذ دروسه على طلبته،أو يقابل الطبيب المرضى أو ينجز الموظف معاملات المراجعين أو يستلم راتبه عبر تطبيقات التواصل الإلكتروني!
في مجال الإعلام الجديد ستكون المؤسسات الإعلامية التقليدية مقابر للمواهب،بلا جمهور،إذا تخلفت عن الاندماج ضمن البيئة الالكترونية، وسيطل علينا جيل جديد من الشباب المبدعين الذين يقتحمون حواسنا في كل لحظة من خلال تطبيقات التواصل الرقمي التفاعلي،وسيكون المرسل متلقياً، والمتلقي مرسلاً، يجمعهما ذكاء بلا حدود أو قيود، وبلا مكاتب أو مبان ضخمة،مجرد كرسي في بيتك وجهاز صغير في يدك،فأنت المذيع أو الممثل أو المخرج أو المحرر!
يمكن أن نرى المشهد المستقبلي في عملاقي صناعة المعلومات شركتي (غوغل) و(فيسبوك) حيث من المقرر أن يواصل الآلاف من موظفيهما العمل من منازلهم حتى نهاية العام الجاري،وما بعده سيكون لكل حادث حديث لا يقل دهشة، وذلك وفقاً لتصريح رئيس مجلس إدارة شركة (ألفابت) الشركة الأم لـ(غوغل)، سوندار بيشاي.
وذكرت وسائل إعلام أميركية أن شركة (فيسبوك) ستعتمد النهج نفسه، وتنوي شبكة التواصل الاجتماعي العالمية إعادة فتح مكاتبها اعتباراً من السادس من يوليو/ تموز، لكن يمكن لكل الموظفين الراغبين في ذلك مواصلة العمل من منازلهم حتى عام 2021.
خلاصة القول أن ظاهرة(خليك في البيت) قد تستمر أبعد مما يتوقع الكثيرون!