مع استمرار التظاهرات الواسعة في العراق يتبلور سؤال مهم هو هل تنجح حركة الاحتجاجات الواسعة المتمثلة بهذه التظاهرات في التأسيس لمعارضة سياسية حقيقية ممثلة داخل قبة البرلمان لديها القدرة في الدفع بسلطة جديدة تعكس تطلعات العراقيين الناقمين على الاوضاع في بلادهم ؟ وحتى يمكن الإجابة على هذا السؤال المهم لابد من الانطلاق من مفهوم المعارضة الذي تعرض إلى التشويش واتخذ اشكالا متعددة في ظل النظام السياسي الحالي ويمكن القول ان نضجا سياسيا متكاملا لهذا المفهوم لم يتحقق في العراق مع الاقرار بأن الدستور العراقي يتيح لهذا الانموذج السياسي أن يمارس حقه في التعبير عن آرائه على وفق منظومة حزبية او شعبية لكننا هنا نتحدث عن الوعاء الامثل الذي يمكن أن يحتضن هذه المعارضة بما يتيح لها ان تكون مؤثرة وشاخصة فثمة معارضون مارسوا دورهم من خلال منابر وسائل الإعلام في نقد مظاهر الفساد ورفضوا نظام المحاصصة الطائفي والحزبي وثمة معارضون اتخذوا من منصة مجلس النواب وهم أعضاء فيه مكانا لفضح الاخطاء والانتهاكات التي أقدم على ارتكابها قادة ومسؤولون في النظام السياسي فيما انبرى آخرون على توجيه سهامهم عبر البيانات والمؤتمرات داخل العراق وخارجه.
اما التطور الابرز في مسارات المعارضة العراقية منذ 2003 فهو أقدام عدد من أعضاء مجلس النواب على تشكيل تجمع سياسي معارض داخل قبة البرلمان أخذ على عاتقه دعم حركة الاحتجاجات الواسعة التي شهدها العراق عام 2018 ابان حكومة السيد حيدر العبادي واستطاع تحقيق عدد من المكتسبات السياسية وضعت منظومة السلطة آنذاك في زاوية حرجة إلا أن هذا التجمع سرعان ما تلاشى تحت وطأة الضغوط الحزبية واذا كان هذا الحراك الجماهيري الواسع الذي تشهده مدن وسط وجنوبي العراق يمثل ظهورا حقيقيا ناصعا لمعارضة شعبية قوية تجاه ممارسات السلطة السياسية في العراق فان الحاجة تبدو ماسة لتأطير هذا الحراك الشعبي بتمثيل سياسي حقيقي يتصدره ابرز قادة الاحتجاجات ويتمثل فيه الناشطون المدنيون ولربما كان تأسيس حزب سياسي أو مجلس سياسي نواة حقيقية صالحة لتكون الوعاء المناسب الذي يمكن المتظاهرين من الوصول إلى قبة البرلمان والى السلطة التنفيذية والبدء باصلاح الاوضاع في العراق وتبدو الحاجة ماسة ايضا لكسب تأييد ودعم محلي واقليمي ودولي لمساندة هذا الحزب أو المجلس وتلك مهمة أخرى لابد أن نضطلع بها النخب التي ستنضوي تحت لواء هذه المعارضة السياسية.
د. علي شمخي