بعد مرور أكثر من 9 سنوات على سن قانون هيأة النزاهة رقم 30 لسنة 2011، قررت السلطة التشريعية أخيرا تعديله، برغم أن الهفوات الكبيرة فيه، اكتشفت منذ الأيام الأول لنفاده. ويأتي هذا التعديل، كجزء من الحملة التي أطلقها مجلس النواب، لتلبية مطالب المتظاهرين، ولوضع حد لعمليات الفساد الكبيرة التي نخرت جسد الدولة العراقية، وساعدت على خلق جيل من الفاسدين. القانون الجديد الذي يحمل الرقم 30 لسنة 2019، لم يأت بتعديلات جوهرية، لكنه، تجاوز أهم ثغرة في القانون، وهي مسألة الكسب غير المشروع، والكشف عن الذمة المالية، حيث كان يعاب على القانون 30 لسنة 2011، أنه لم يضع عقوبة بحق من يتخلف عن الكشف عن ذمته المالية، وبالتالي، لم يتمكن القضاء، من محاسبة الفئات المشمولة بالكشف عن الذمة المالية، والتي يمتنع اعضاؤها عن تقديم تقارير الكشف عن ذممهم المالية. فجاء هذا القانون، لينهي تلك الثغرة، ويضع أسسا جديدة في ميدان مكافحة الفساد.
وقد عرف هذا القانون، قضية الفساد، بأنها: دعوى جزائية يجري التحقيق فيها بشأن جريمة من جرائم( سرقة أموال الدولة، الرشوة، الاختلاس، الكسب غير المشروع…..) . في حين أن النص القديم، لم يشر إلى جريمة الكسب غير المشروع، هذه الجريمة التي استحدثها القانون الجديد، ووضع احكاما خاصة لمن يمتنع عن التعاون مع هيأة النزاهة، بهذا الجانب. وقد بين القانون، أن الكسب غير المشروع هو كل زيادة تزيد على 20% سنويا في أموال المكلف أو أموال زوجه أو أولاده، لا تتناسب مع مواردهم الاعتيادية ولم يثبت المكلف سببا مشروعا لهذه الزيادة ويعد كسبا غير مشروع الأموال التي يثبت حصول الشخص الطبيعي عليها بالاشتراك مع المكلف، بقرار قضائي بات. للأسف، فإن هذا النص، ليس صارما، حيث يمكن التلاعب بالقانون من خلاله، إذ إن المكلف، يمكنه أن يوزع أمواله التي كسبها بطريق غير مشروع، على أولاده أو زوجه، بحيث لا تتجاوز كل منها 20% وبالتالي فإنها لا تعد هنا كسبا غير مشروع. كما إن للمكلف أن يسجل الأموال التي يكسبها بأسماء والديه أو أخوته. فهم غير مشمولين بالمراقبة. ومن ناحية الإلزام، فإن المادة 17 ألزمت المكلف بتقديم استمارة الكشف عن الذمة المالية، في مواعيد محددة، وكذلك الاجابة عن ملاحظات الهيأة خلال مدة محددة.
وقد أجاز القانون للهيأة أن تتحرى بنفسها عن الذمة المالية للمكلفين وأزواجهم وأولادهم. وفي حال وجدت الهيأة وجود زيادة كبيرة في أموال المكلف، فإن لها استدعاء المكلف لإعلامه بذلك ولتقديم ما يؤيد حصوله بطريقة مشروعة على تلك الأموال. كما للهيأة أن ترفع أمر ذلك المكلف الى قاض التحقيق المختص مكانيا، لينظر بنفسه بإثبات مشروعية الزيادة في أمواله خلال مدة 90 يوما. فيما يخص العقوبات التي وضعها القانون الجديد، فمنها مالية حيث نصت المادة 18 على وقف صرف راتب المكلف ومخصصاته إذا لم يقدم الاستمارة خلال المدة المحددة. أما بالنسبة للعقوبات الجزائية، فهي الحبس مدة لا تزيد على سنة لمن امتنع عن تقديم الاستمارة من دون عذر مشروع، والسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات وبغرامة تعادل قيمة الكسب غير المشروع لكل مكلف عجز عن إثبات السبب المشروع للزيادة في أمواله وأموال زوجه أو أموال أولاده. في حين أن النص القديم، اكتفى بعقوبة الحبس ومصادرة الكسب غير المشروع. وبرغم تجريم فعل الامتناع عن الكشف عن الذمة المالية، إلا أن العقوبة التي وضعت للامتناع أقل من عقوبة العاجز عن اثبات مشروعية أمواله الجديدة، وهو ما يعني اتاحة الفرصة للتهرب من تقديم التقرير، حيث إن الحبس لمدة لا تزيد عن سنة، والامتناع عن صرف الراتب الشهري، أهون من السجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات، فكان من المفروض أن تشدد عقوبة الامتناع عن تقديم التقرير. وبرغم بعض الهفوات في هذا القانون، إلا أنه انتقاله مهمة في مكافحة الفساد، ليمكن هيأة النزاهة من تأدية دورها بشكل أكبر وأشمل.
سلام مكي