هؤلاء لا يعرفون صدام وانما سمعوا عنه ولا يعرفون البعث ولا يعرفون الجلبي والحكيم والصدر ..وانما سمعوا ايضا عنهم.. اعمار بعضهم لم تتجاوز العشرين ولكنهم ولدوا في رحم العراق الذي خرج من الديكتاتورية الى الديمقراطية ..هم سمعوا كثيرا من ابائهم ان وطنهم غني ومكتنز بالثروات ويقرؤون في مناهج الدراسة عن تاريخ بلاد مابين النهرين وكيف كانت بلادهم ارض السواد وقبلة الشرق والغرب في الثقافة والمعرفة ويشاهدون من على شاشات التلفزة افراد الطبقة السياسية وهم يعددون المشاريع المستقبلية على الورق ويشاهدون الارقام المليارديرة عن الموازنات العامة من دون ان يلامسوا على ارض الواقع مكسبا او امتيازا يخفف عنهم اعباء الحياة ..الملايين منهم من دون مورد مالي يعيلون اسرا ومن دون منازل يسكنون في بيوت للايجار او في البيوت العشوائية ..منذ اكثر من خمسة عشر عاما وهم ينصتون لاحاديث الفساد وتملص المسؤولين وهربهم بسبب صفقات الفساد ومنهم من شارك في حروب التحرير ضد مسلحي داعش ومنهم من استشهد ومنهم من اصيب فيما مايزال العوز يحيط به ولم يحصل المضحون منهم سوى على فتات ماتبقى من الانظمة والقوانين التي تم تشريعها في الوقت الضائع درءا لمساءلة الكثيرين ومقارناتهم بين جهاد الاولين والاخرين ..هؤلاء وجدوا انفسهم بين فئتين فئة اعتزلت الحياة واكتفت بما حصلت عليه من عهود الاستبداد وفئة نالت الامتيازات وحصلت على المغانم والمناصب كتعويض عن الحرمان في عهد الديكتاتورية ..يشعرون بالاغتراب ويسخرون ممن ينعتهم ب(البعثية ) او (المندسين ) هم للان لم يعثروا على وطن ..لانهم يفتقدون الامان ويحلمون بمستقبل جديد.. انتظروا طويلا ان تأتي المبادرة من غيرهم وصبروا كي تلتفت الحكومات لحالهم من دون ان تلوح بارقة امل ..منهم من اكمل دراسته الجامعية ومنهم من اكمل دراسته العليا ومنهم اكتفت الدولة بمنحه الشهادة الورقية وتركته يحلم ويفكر كثيرا فيما مضى وفيما هو ات ..ومنهم من ترك مقاعد الدراسة من اجل التفتيش عن عمل يريدون ان يعملوا ويتزوجوا وان يعيشوا وان يعينوا اهلهم ..طاقاتهم مكبوتة واحلامهم مؤجلة ..رفعوا شعار السلام في مطالباتهم وكان عنوانهم وشعارهم الابرز (نريد وطن) وتلقوا بصدورهم الرصاص واخترقت اجسادهم ورؤوسهم قنابل الغاز وهم مستعدون لبذل المزيد من التضحيات في سبيل قضيتهم قضية العراق واجياله من شماله الى جنوبه ولو جاءهم مثل هذا الوطن لاكتفوا واطمأنوا ..الوطن بالنسبة لهم ان يعترف السلطويون بوجودهم كشركاء لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها وان يعيد اللصوص ماسرقوه وان تسود العدالة وان تعم المساواة في الحب والاهتمام وان يكون الانتماء للعراق هو الهوية الحقيقية لكل عراقي وان تنتهي عنده عناوين الاحزاب والقوميات والاديان والمذاهب .
د. علي شمخي