بغداد – سمير خليل
إذا كانت اسرائيل وكيانها الغاصب تظن أنها انتصرت بتهديمها بيوت السكان الآمنين في قطاع غزة وقتل أبنائه العزل وتشريد الآلاف من سكانها واجبارهم على الهجرة، فهي واهمة، فالشعوب الحرة لا تهزم، الحروب والسياسة هي التي تنهزم في المنازلات الكبرى.
الآلاف من البشر التي عادت الى ديارها بعد اعلان وقف إطلاق النار كانت بمثابة خنجر مزق خاصرة الكيان الصهيوني ومن يقف خلفه، هذا الكيان الذي ظن أن لا رجعة لشعب فلسطين الى القطاع مرة أخرى.
حشود العودة كتبت ملحمة انسانية خالدة، رحلة طويلة مع اصرار العودة للديار رغم كل شيء، صامدون يعتصرهم حنين العودة الى بيت العيله حيث خطوا خطواتهم الاولى، وهناك في تلك الزاوية كثيرا ما كان من الذكريات وأغاني الصمود” انا دمي فلسطيني” و” كف ونص لكل محتل” و” هو في مثلو الوطن يابا” .
حشود تمشي على الارجل محاطين بالسلاح ومحاولة منعهم عن الخروج من الصف، لم تسمح السلطات المكلفة بمراقبة هذه العودة باستخدام السيارات لنقل الناس، لم تبال أن بين هؤلاء الصابرين من هو مريض او طفل او شيخ، رغم ذلك الكل كان يصرخ بوجه الظلم بصوت واحد ” نريد ديارنا” .
رغم مأساوية المنظر الا انه شكل لوحة انسانية رائعة، وجوه طافحة بالأمل رغم انها قررت العودة ولم تبال بما ينتظرها عدا شجرة الزيتون والسرو العطري و
شجرة البلوط، الطبيعة كانت تحرس السائرين وهي في أرق صورها وصفائها، منظر لا يمكن تكراره بعد مئات السنين.
هذه الملحمة الانسانية الخالدة بأفراحها وآلامها يمكن أن تكون بوابات الهام لفنانينا لصياغة فصولها مسرحا او اغنية او لوحة تشكيلية او فيلما سينمائيا، كما انها أفضل حافز لكتابنا ورواتنا وشعراءنا لصياغة أفضل القصص والروايات والاشعار.
إن ملحمة غزة وأهلها تكاد تشابه أو تؤاخي ملحمتنا في الموصل، حيث نهض الشعبان من بين الرماد والركام كما تنهض العنقاء، هنا في الموصل شكل صمود اهلها، صمود وشجاعة الشعب العراقي بأجمعه ملحمة خالدة ايضا بعد طرد غربان الشر التي عاثت بأرضنا فسادا لكننا أعدنا ونعيد هذه الارض مزروعة بالورود والجمال والامل، الامل بوطن جميل آمن، يغني شعب العراق كما يغني شقيقه في فلسطين اغنية واحدة” إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل ان ينجلي، ولابد للقيد ان ينكسر” .
وتناولت صحف عالمية أوضاع الفلسطينيين العائدين إلى شمال قطاع غزة بعد أشهر من النزوح، وسط مشاهد وصفتها التقارير بأنها مؤلمة للإسرائيليين الذين رأوا فيها انعكاسا لهزيمة عسكرية وسياسية.
وذكرت صحيفة “غارديان” أن آلاف الفلسطينيين عادوا إلى شمال غزة رغم إدراكهم أن ما ينتظرهم ليس سوى أنقاض منازلهم، مشيرة إلى أنهم أصروا على العودة ونصب الخيام على أرضهم بعد معاناة طويلة في مخيمات النزوح.
ونقلت عن أسامة، وهو موظف حكومي وأب لـخمسة أطفال قوله: “لم أتصور أنني سأعود يوما، سواء نجح وقف إطلاق النار أم لا، لن نترك غزة والشمال مرة أخرى”.
أما صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية فقد سلطت الضوء على الصور المؤلمة للعائلات الفلسطينية التي عادت إلى شمال القطاع، وذكرت أن هذه الصور كانت بمثابة صفعة للإسرائيليين، وأضافت أن عودة هذه العائلات تأتي بعد رحلة نزوح استمرت 15 شهرا، من جانبها أفادت “وول ستريت جورنال” بأن الدمار الواسع الذي خلّفه القصف الإسرائيلي يمثل تحديا أمام إعادة إعمار القطاع، ونقلت الصحيفة عن سكان جباليا وصفهم لها بأنها أصبحت منظرا طبيعيا من الخرسانة المتناثرة وهياكل البناء المدمرة.
كل هذا لا يقف أمام إصرار الشعوب الحرة المتشبثة بأرضها وإرثها وتاريخها، فالشعب الفلسطيني في غزة لا تهزه المؤامرات والخطط الاسرائيلية العنصرية التي توهمت أن الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب منحها صكا للتوسع والاستيطان بمقترحه الغريب بتهجير أهل غزة وتوطينهم في مصر والاردن والذي يواجه تحفظا واعتراضا عالميا كبيرا.
غزة تكتب ملحمة انسانية خالدة.. آلاف الفلسطينيين يعودون لديارهم متحزمين بالصبر والصمود والامل
التعليقات مغلقة