د. ليلى الدليمي
في عصر التواصل الرقمي، أصبحت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي منصات رئيسة للتفاعل بين الأفراد والجماعات في مختلف أنحاء العالم. إلا أن هذه المنصات قد أصبحت أيضًا بيئة خصبة لنشر خطابات الكراهية التي تشكل تهديدًا للأمن الاجتماعي وتزيد من الانقسامات بين المجتمعات. تُعرَف خطابات الكراهية بأنها التصريحات أو الأفعال التي تحرض على العنف أو التمييز أو العداء ضد أفراد أو جماعات بناءً على العرق أو الدين أو الجنس أو التوجهات السياسية. يمكن أن تتخذ هذه الخطابات أشكالًا متعددة، سواء كانت كلمات تحريضية أو نشر محتوى تهكمي أو عنصري، وقد تروج للتمييز أو العنف أو التفرقة بين الناس. لطالما كانت وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والمجلات والتلفزيون مؤثرًا قويًا في تشكيل الرأي العام، لكن تطور التقنية وتنوع المنصات الإعلامية جعل من الصعب التحكم في هذا المجال. على الرغم من القوانين في بعض الدول لتنظيم المحتوى الإعلامي، لا تزال وسائل الإعلام تُستخدم أحيانًا لنشر رسائل سلبية ضد فئات معينة. في العصر الحالي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لانتشار خطابات الكراهية لأسباب متعددة. أولًا، توفر هذه المنصات درجة عالية من الإخفاء للهوية، ما يجعل الأشخاص أكثر انفتاحًا على نشر آراء متطرفة قد لا يجرؤون على التعبير عنها في الحياة الواقعية. ثانيًا، تمكن وسائل التواصل الاجتماعي من نشر المحتوى بسرعة وبتكلفة منخفضة، مما يساهم في انتشار الأفكار الضارة بشكل واسع. ثالثًا، في بعض الأحيان يمكن أن يتسبب تأثير مجموعة أو هاشتاغ معين في تضخيم خطابات الكراهية وتحويلها إلى موجة واسعة من التضامن بين أفراد يشاركون نفس الفكر المتطرف. يتجلى تأثير خطاب الكراهية في العديد من الأبعاد الاجتماعية والسياسية. على المستوى الاجتماعي، يمكن أن يؤدي نشر هذه الخطابات إلى تعزيز الانقسامات بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع، مما يزيد من الكراهية والتوترات. أما على المستوى السياسي، فقد تستغل خطابات الكراهية في تأجيج الصراعات السياسية أو الإثنية، مما يزيد من الفرقة وعدم الاستقرار. في بعض الحالات، قد يتم استغلال هذه الخطابات كأداة لتحقيق مكاسب سياسية من خلال استقطاب فئات من الجمهور عبر إظهار العدو المشترك أو تعميم العداء تجاه مجموعة معينة. على الرغم من التحديات الكبيرة التي تطرأ بسبب انتشار خطابات الكراهية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، هناك بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتقليل من هذه الظاهرة. ينبغي تعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر خطابات الكراهية وأثرها المدمر، من خلال برامج تعليمية وبرامج توعية، يمكن للمجتمعات تقوية قدراتها في مقاومة الأفكار المتطرفة. كما يجب أن تتخذ الحكومات والمنظمات الدولية سياسات وقوانين تحظر وتجرم خطابات الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية. يقع على عاتق منصات التواصل الاجتماعي أيضًا مسؤولية مراقبة المحتوى الذي ينشر على منصاتها من خلال تفعيل أدوات الذكاء الصناعي لمكافحة الخطاب التحريضي والعنصري. يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا مهمًا من خلال نشر قيم التسامح والعدالة وتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم بين مختلف الفئات. إن خطابات الكراهية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أصبحت تهديدًا خطيرًا يستدعي تضافر الجهود من جميع الأطراف للتصدي لها. من خلال القوانين الفعالة، والتوعية المجتمعية، ومراقبة المحتوى، يمكن تقليل تأثير هذه الخطابات والمساهمة في بناء مجتمع أكثر تسامحًا وتفاهمًا.
خطابات الكراهية في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.. التحديات وآثارها على المجتمعات
التعليقات مغلقة