هيثم جبار
لا أعرف متى يكف العرب عن تحقير ذواتهم، ولمَ يعتبرون الآخر هو الأفضل، في كل شي، وفي أي مفصل من مفصليات الحياة، الأدب الرياضة السياسة، الاقتصاد في كل شي، حتى لو كان هذا الآخر الغربي او الشرقي يأتي بأشياء تافهة، يتهافتُ عليه بعض العرب ويعدونه شيئاً عظيماً. نعم الغرب أفضل منا بكثير ولكن ليس كل ما يأتي منهم هو شي جميل، الا يجدر بنا ان نشير الى الأعمال الرديئة لهم، وإن لدينا أعمالا تفوق بعض أعمالهم ولا سيما في الأدب. في إحدى المقالات ذكرتُ الكاتب البريطاني جورج اورويل، وقلت أن كتابه المعنون (لماذا أكتب) لا يستحق القراءة، فهو عبارة عن مقالات طويلة، ومملة ولا علاقة له بموضوع الكتابة، فاتصل بي أحد الشعراء المبدعين المعروفين وقال لي: كيف سولت لك نفسك أن تنتقد كاتباً عظيماً مثل جورج أورويل؟ من أنت حتى تنتقد كتاباته فهو صاحب رواية 1984 ورواية مزرعة الحيوانات و. وو. وأخذ يعدد كتب اورويل ويذكر مزاياه، قلت له: لم انتقد رواياته، بل قلت أن کتابه ( لماذا اكتب) كتاباً رديئا غير جدير بالقراءة ، وقلت له أيضا : الكتاب موجود وبإمكانك أن تقتنيه، فإن وجدت فيه متعة أو فائدة أدبية فاخبرني ؟ قال: ربما السوء في الترجمة. قلت: ربما وانهيتُ الحوار. لا أدري لماذا هذه النظرة العظيمة للآخرين والنظرة الدونية لذواتنا، وكأن الاخر معصوم من الخطأ.
انهيتُ للتو قراءة كتاب (حياة الكتابة ) مقالات مترجمة عن الكتابة لأدباء عالميين. في الآونة الأخيرة أحببت الكتب التي تتحدث عن القراءة والكتابة وطقوسهما، ولكن للأسف لم أجد ضالتي، ولم يقع بيدي الكتاب الذي يشفي الغليل، هذا الكتاب عبارة عن مقالات لكتُاب وروائيين ومنهم من حصد جوائز كبيرة كنوبل، هؤلاء الكُتاب يتحدثون عن طقوس الكتابة كما ذكر المترجم في مقدمته الصغيرة : يكتبون عن كتاباتهم ويتحدثون عن رواياتهم وعن ارتقائهم إلى مرتبة الكُتاب وهم تسعة كُتاب أولهم ادواردو غاليانو، وهو أحد عمالقة الأدب الأمريكي اللاتيني من الاوروغواي، وينتهي بالكاتب يان مارتل، وهو كاتب كندي من أصل اسباني، المقالة الأولى لغاليانو عبارة عن مفردات متقاطعة وهي لیست مقالة، بل مقتطفات كل خمسة أسطر، عشرة اسطر، نصف صفحة مجرد مقاطع سردية ، وكل مقطع لا يرتبط بالمقطع الذي يليه ، وإليك مطلع أو بداية هذه المقاطع السردية… ((في عام 1971م ، رشّحتُ الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية الجائزة كازا دي لاس (أميركا في كوبا، فلم يربح. ربّما لأنّ لجنة التحكيم اعتبرته غير جدّي بما فيه الكفاية)) ص12 ((قبل بضع سنوات في مدرسة بـ «سالتا»، شمال الأرجنتين، كنتُ أقرأ قصصًا لمن هُمْ في سنّ الثامنة والتاسعة. بعد ذلك، طلب المعلم من الأطفال أن يكتبوا لي تعليقاتهم على ما قرأتُ. كانت واحدة منها تنصحني: «حافظ على مستواك هذا، وستتطوّر.))
ص13 (( ((في مارس من عام 2007 م ، في «يوكاتان»، كان «كتاب المعانقات» محظورا في سجن «ميريدا لاحتوائه على بعض الأفكار الشيطانية. قبل ذلك، في سان خوسيه في كوستاريكا، قابلت فتاة بصدد قراءته في محطة الحافلات.
دائما ما أحمله معي عندما أسافر، قالت لي، «إنه صديقي المحمول».)) ص 13 وهكذا ست صفحات قرأتها أريد أن أعرف أين هي المقالة فلم أجدها، وما علاقة هذه المقاطع السردية بالكتابة وحياة الكتابة لا أدري.
المقالة الثانية المسوسة (كتبي رفاقي العقلاء والمجانين في عالم محافظ) للكاتبة الروائية التركية اليف شافاق، هي من أروع المقالات في هذا الكتاب، وبالفعل تتحدث عن طقوس الكتابة، وأفضل من كتبت عن الكتابة، حين تصف القصص و تقول يمكن للماء أن يتحدث في أرض القصص، ويمكن للأنهار أن تغير مجراها إذا شعرت بالملل من السير في اتجاه واحد ، ويمكن للزهور أن تودي رقصة سريعة، ويمكن للنحلة والحشرات أن تمتلك شخصيات معقدة، تقول: شافاق ((كانت الكتب رفقتي العاقلة والمجنونة وهم أفضل رفاق حظيت بهم))، بعد المقالة الرائعة لشافاق تأتي مقالتان للروائي التركي أيضا أورهان باموك الأولى متحف البراءة في عدة صور، وهي من أروع المقالات أيضاً، يتحدث بها عن روايته وكيف كتب رواية ( متحف البراءة) وكيف قام بافتتاح المتحف بالفعل، والثانية عن صديقه انسلم كيفر الفنان الالماني الذي كان يتمنى باموك أن يكون فنانا مثله.
. هذه المقالات الثلاثة مقالة شافاق ومقالتا باموك هن عرائس هذا الكتاب ( حياة الكتابة ) اما بقية المقالات فاغلبها تعد من سقط المتاع، عدا واحدة لا بأس بها وهي آخر مقالة للكاتب الكندي يان مارتل، أيضا تحدث بها عن روايته التي تحولت الى فلم سينمائي وفازت بجائزة البوكر وحصد الفلم أربع جوائز للأوسكار وواحد وأربعين جائزة أخرى. والفلم والرواية يحمل نفس العنوان (حياة باي ) وكانت مقالة الكاتب يان مارتل جميلة وإن لم تصل لمستوى باومك وشافاق، فقد تحدث عن كيفية كتابته للرواية، وكيف سافر الى الهند ودخل حدائق الحيوانات وعند رجوعه الى كندا كتب روايته.
أما مقالتا ايزابيل اللندي غير جديرتي بالقراءة، الأولى أخذت عشرين صفحة من الكتاب، بعنوان شهرزاد اميريكا اللاتينية ).
وتخللت المقالة عنوانات عديدة اخرها ( لماذا اكتب ) حتى في العنوان الأخير لم تخبرنا الكاتبة لماذا تكتب، إلا في الاسطر الثلاثة الأخيرة تقول ص 62 (( أكتب لأنني بحاجة إلى أن أتذكّر وأتغلب على ما حولي، فمن الذاكرة ومن الإحساس بالفقد يولد شغفي بأنْ أُبدع . وكلّ كتاب لي هو فعل حبّ، هبة أعدّها باهتمام عظيم، وآمل أن تستقبل بما يليق بها.)) فلو اختصرت هذه العشرين صفحة بهذه الاسطر الثلاثة لكان أفضل للقارئ والكاتب. أما المقالة الثانية جاءت بخمس صفحات تحدث فيها عن ابنتها وكيفية وفاتها.
ففي مقالتيها لم تذكر اللندي شيئا عن الكتابة عدا القصة التي ذكرتها ونقلتها من ( كتاب المعانقات ) لغاليانو وهي قصة المعجوز الذي يحتفظ برسائل حب قدیمة، أما بقية المقال تحدثت عن حياتها وسيرتها الذاتية عن طفولتها عن شبابها عن زواجها عن تمردها عن عشيقها ويلي ، وأنا أحسب كل هذه الوقائع والأحداث لا علاقة لها بالكتابة وعن طقوس الكتابة، فكتابة السيرة وقصص من الحياة والاحداث التي مر بها الكاتب تختلف عن ماهي الكتابة وكيفية الكتابة وطقوسها، بالضبط كمقالة الروائي الياباني هاروكي مورا كامي، أكثر من 16 صفحة، أول ست صفحات، يتحدث فيها عن عمله وشغله في مقهى وتخرجه من الجامعة وزواجه في الكلية قبل تخرجه، وولعه بمباراة بيسبول – الخ و من ثم تحدث عن طقوس الرواية وكيف بدأ بكتابة الرواية حيث يقول : (( الجزء الأهم من المشكلة هو أنني حينها لم أكن اعرف شيئا عن كيفية كتابة الرواية،)) ص109.
كذلك يقول (( انني اخطأتُ خطأ كبيرا حين افترضتُ أن رجلا مثلي، لم يكتب أي شي، طوال حياته، يستطيع أن يُخرج من جعبته فجأة عملا رائعا متكاملا))ص 110 ان هاروكي موراكامي كتب رواياته باللغة الإنجليزية على الرغم من تجذر اللغة اليابانية في داخله، ثم قام بترجمتها الى اللغة اليابانية حتى قيل له ((عملك يحمل طابع الترجمة )) وبذلك حصل على أسلوب يختلف عن أساليب مجايليه من الروائيين لذلك قال:(( لم يكن يعنيني خلق صيغة مخفقة من اللغة اليابانية كنت أرغب في نشر نوع جديد من اللغة اليابانية، بعيدا ما أمكن عما يسمى باللغة الأدبية ))ص 114 بهذا استطاع موراكامي أن يشق طريقه للكتابة، وأصبح من أروع كتاب الرواية في العالم حيث ترجمت رواياته الى اكثر من 50 لغة في العالم.
احتقار الذات
التعليقات مغلقة