وداد إبراهيم
البيوت أسرار، وما يعرفها إلا من يعيش فيها. لكن خلال عمليات التعداد السكاني، تظهر العديد من الأمور الغريبة التي تجذب الانتباه، مثل الأسماء النادرة والأعمار الكبيرة، بالإضافة إلى العائلات الكبيرة التي تعيش في بيوت لا تتسع سوى لعدد قليل. تُستخرج العديد من الإحصائيات من هذا التعداد، مثل أعداد الرجال والنساء والأطفال، وأعداد الموظفين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل، بالإضافة إلى أعداد المعوّقين وذوي الاحتياجات الخاصة. الأهم من ذلك كله، سيعكس التعداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، مما يشكل فرصة كبيرة للباحثين في مجال السكان والجغرافيا والكثافة السكانية، وأسباب تواجدها في المدن وقلة انتشارها في القرى بعد التغيرات المناخية التي شهدتها البلاد.
تمت عمليات التعداد في يومي الأربعاء والخميس 20 و21 نوفمبر الجاري، بعد إعلان الحكومة العراقية حظر تجوال شامل لتسهيل عمل نحو 120 ألف موظف. وقد تداول العراقيون عبر منصات التواصل الاجتماعي تعليقات عديدة قبل بدء التعداد، مع نشر مقاطع فيديو توضح كيفية دخول موظفي التعداد إلى المنازل. صُدم البعض عندما طلب الموظفون الاسم الكامل والعمر، بينما ستظهر تفاصيل أكثر في الأيام المقبلة.
جدير بالذكر أن آخر تعداد سكاني في العراق كان عام 1987، وشمل جميع المحافظات، بينما لم يشمل إحصاء 1997 محافظات إقليم كردستان. كان من المفترض إجراء التعداد عام 2007، إلا أن الوضع الأمني حال دون ذلك. تأجل التعداد عدة مرات، حيث أُرجئ عام 2009، ثم تأجل لعشرة أعوام، وفي 2019 أيضًا أُجل ليُنَفَّذ أخيرًا هذا العام.
شهد التعداد العديد من المواقف الغريبة والطريفة، خاصة مع المسنين الذين يعود تاريخ ميلاد بعضهم لما قبل تأسيس دولة العراق الحديثة. كشفت السجلات عن أعمار تجاوزت أكبر معمّرة في اليابان وإيطاليا واليونان، حيث وُثّقت سيدتان في العراق، إحداهما تبلغ من العمر 137 عامًا. كما تم تسجيل عائلة مكونة من 97 فردًا.
ليس غريبًا أن نجد في العراق أشخاصًا تتجاوز أعمارهم المئة سنة، خاصة في المناطق الريفية حيث الغذاء الصحي المتنوع من الخضروات، والابتعاد عن اللحوم. تشتهر دول مثل اليابان، بمتوسط عمر مرتفع بفضل نظامهم الغذائي الصحي والرعاية الممتازة. كذلك، تتميز إيطاليا، خاصة في سردينيا، بكثرة المعمّرين، بفضل نمط الحياة الصحي وزيت الزيتون. وفي اليونان، تُعرف جزيرة إيكاريا بأشخاص تجاوزوا المئة عام، بفضل نمط حياتهم الهادئ وتغذيتهم المتوازنة.
يبرز التعداد السكاني أهمية فهم التركيبة السكانية، إذ لا تقتصر فائدته على الأرقام والإحصائيات فقط، بل يمتد إلى تحليل أنماط الحياة، والهجرة الداخلية والخارجية، والوقوف على التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع العراقي. فمن خلال هذه البيانات، يمكن وضع خطط تنموية مستقبلية تسهم في تحسين الواقع المعيشي، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص الخدمات أو الهجرة الجماعية نحو المدن.
كما أن التعداد يُظهر الدور الحيوي للمسنين والمعمّرين في المجتمع، الذين يشكلون جزءًا مهمًا من التراث الإنساني والاجتماعي. إن أعمارًا مثل 137 عامًا ليست مجرد أرقام، بل هي تاريخ حافل بالتجارب، يمكن أن تسلط الضوء على أنماط حياة قديمة، وأساليب معيشة اعتمدت على البساطة والصبر.
التعداد فرصة للباحثين والدارسين لمعرفة أسباب الهجرة من القرى
التعليقات مغلقة