«الاغتراب» في أعمال التشكيلي جلال علوان

بغداد ـ الصباح الجديد:
يمكن إيجاز مغامرة الفنان العراقي المغترب جلال علوان بثلاث نقاط: المجسمات (تشكيلات من ثلاثة أبعاد: طول وعرض وعمق)، واللوحات الفراغية التي تسلط على الحيز مختلف أنواع الميديا والأدوات البسيطة، وأخيرا اللوحات التجريدية.
بالنسبة للمجسمات، أرى أنها تعوم بعكس التيار. فلا هي مع الرؤية المركزية للحداثة ولا هي مع تعدد المراكز لما بعد الحداثة.
إنها تحاول أن تشرح نفسيا ما لا يتفق معه النشاط البصري. وما لا ترتاح له العين ولكن تهادنه وتتآلف معه.
إنه يهاجم سيطرة المركز بأدوات وعناصر تنتمي للهوامش.
إن مثل هذه الرؤية تنطوي على ضمير رومنسي وذهن يبالغ بالاحتجاج على معطيات الحرب الباردة وسيادة الرأسمال العالمي ومحاولته الدؤوبة لخنق الإبداع والتميز وتحويل جوهر الحرية الشخصية إلى تكرار (ما يقول عنه لاكان: رتابة وتحويل فرويدي لمضمون العصاب وهو الرغبة المكبوتة).
ونستطيع أن نلمس ذلك لمس اليد في مجسماته عن الجسم البشري، ولا سيما في (قواعد التداخل) وهي لوحة تتألف من جذع امرأة بلا رأس ومن ثياب داخلية.
ويتحول جلال علوان في لوحته الفراغية (غرفة الانتظار) مباشرة وصراحة للتعبير عن مشكلة الوقت الضائع، وعن ضرورة الانصياع لتعليمات لا يسنها بنو البشر ولكن عليهم تنفيذها فقط. يقول الفنان نفسه عن هذه اللوحة في مقالة منشورة في موقع مجلة (إلى): إنه يتحدث هنا عن ملحمة الإنسان الذي يموت ببطء في قاعة الانتظار.
ثم يضيف: لقد خطر له هذا التشكيل بوحي من الانتظار لعدة ساعات في دائرة حكومية.
يتألف هذا التشكيل من حبال متينة مشدودة للسقف ومراجيح صغيرة تتدلى في الفراغ. وكأن الفنان يريد أن يتحدث فيه عن الضياع في الفضاء الصامت الذي يحول الحياة لالتزامات بليدة وجوفاء.
وعموما إن مجسمات علوان تسرف بالحديث عن مشكلة الاغتراب وعن احتراقنا البطيء باللاجدوى والهدر.
ولكن نماذجه تتوزع في الفراغ بحساسية فنية بشرية. وهذا يختلف عما فعله تشكيليون آخرون أولوا اهتمامهم للتصاميم والكتل والمادة، وليس للإنسان.
فاللعب بالعاقل يختلف تماما عن اللعب بغير العاقل. والإرادة الفنية خلف كل طرف مختلفة ولديها ميثاق خاص تعقده مع الفكرة والرصيد النفسي والطريقة التي تحتل بها الحيز.
فهي تجريد بصري في الحالة الأولى وتجريد ذهني في الحالة الثانية.
والفرق بينهما (بلغة بيوتر فيدوسييف) مثل الفرق بين الكيان الاجتماعي وجهاز الإنتاج (ص 18- غارودي والتحريفية المعاصرة – 1974).
النقطة الثالثة والأخيرة هي التجريد.
فجلال علوان مغرم بإلغاء قانون المحاكاة الموضوعي وبتكسير الوحدات الصحيحة.
فهو في لوحاته يستعمل الميديا البسيطة (ورق، أكياس شاي، صحف ممزقة) ويعيد ترتيبها بالتجاور والترادف. ولا يكتفي بذلك ولكن يضيف لذلك تحليل الطيف (كما في لوحة ستون يوما)، فيلغي البياض من اللوحة، ويغدق عليها مكوناته، وبالتدريج النوعي: الأزرق وظلاله، والأحمر وظلاله، ثم الأخضر وظلاله.
وهذا يعني أن الطيف سيتجزأ لمكونات صغرية أيضا بحيث يكون الانتقال بين الألوان تدريجيا ومتشعبا.
وهذا ينقل لنا فكرة ما بعد الحداثة التي تتبنى (بلغة هيرل مؤسس ما بعد البنيوية الحديثة – أو فكرة تجزيء الدائرة لأقواس) فلسفة الانتقال التدريجي من تمام الفوضى إلى تمام الانتظام.
ولكن هنا يجب أن نلاحظ أن جلال علوان يبدو مخلصا لمبدأ تمامية الفوضى ولكنه لا يصل أبدا لجوهر الانتظام أو الترتيب الكامل.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة