عالـم داعـش تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام

الحلقة الثالثة عشر 

شكلت الظاهرة الإسلامية «المتطرفة» عصب الأحداث الاجتماعية في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي على السواء. كما القت بظلالها وغيومها الكثيفة على سماوات العالم العربي شاسعة الأبعاد; لأنها شقت الخارطة الأساسية لعدد من البلدان كأفغانستان والعراق وسوريا وأخيرا ليبيا. وأثارت زوابع دامية عن امتداد سنوات في الجزائر واليمن والصومال فضلاً عن انها نجحت في اختراق حلقات نشطة في دول مجلس التعاون الخليجي واخيراً كانت وما تزال تتفاعل بقوة ونشاط في البيئة الاجتماعية والأمنية للمملكة العربية السعودية بما يجعلها احد اخطر الخيارات المحتملة للمشهد في تلك المملكة التي عبثاً تنكر مسؤوليتها الفكرية والايدلوجية والمالية عن انجاب هذا الكيان المرعب والمعقد والقادر على التنكر والتخفي أو الصعود الى السطح.

«القاعدة» كانت الأم التي خرج من رحمها عدد كبير من الجماعات والكتل والتنظيمات ولكنها اتخذت في كل مرة مظهراً متجدداً. على المستوى التنظيمي جعلها بمنزلة مخلوق أميبي احادي الخلية قادر على العيش في ظل ظروف صعبة. وهكذا ظهر منها مايعرف بِتنظيم «داعش» وهو كناية عن الدولة الاسلامية في العراق والشام. ومع ان الادبيات عن المنظمة الام ومشتقاتها كثيرة للغاية الا اننا في العراق يبدو أننا معنيون بتقديم الصورة الأقرب عنها ولمعالجة مايكروسكوب تستحقها ويحتاج اليها كل باحث ومفكر ومواطن. وهنا، تنشر الصباح الجديد، وفي حلقات متتالية، مخطوطة كتاب قيد الطبع، للباحث والمؤرخ الإسلامي العراقي، هشام الهاشمي، بعنوان «داعش.. دولة الإسلام في العراق والشام». 

 

هاشم الهاشمي*

مهلة الجولاني لداعش البغدادي:-

 ١-انتهت مهلة الجولاني للبغدادي، وربما سيبدأ نوع جديد من الصراع ليس مثل كل أنواع الصراع التقليدية، إنما هو صراع إبادة، حيث إن النصر بالتحديد هو فناء الخصم الآخر.

حين أعلن البغدادي دمج تنظيم دولة العراق مع تنظيم الشام، يوم سيطر على الحدود الشرقية والشمالية لسورية وريف حلب وريف أدلب وجبال اللاذقية والرقة ودير الزور والحسكة، مروراً بعشرات القرى والمدن المهمة في سوريا كونها تمت في مشهد جهادي جديد. وهذا الانتصار مايزال في سجال بين داعش وبين بقية الفصائل السورية المسلحة. ويبقى السؤال، هل سينظم تنظيم داعش إلى قاعدة الظواهري عبر التحاكم الى مشايخ الجهاد الذين اقترحهم الجولاني في خطابه الذي رثى به الشيخ ابي خالد السوري «احد قيادات تنظيم أحرار الشام»، والذي اتهم تنظيم داعش بقتله!

٢-في فترة ما قبل قتل ابوعمر البغدادي والمهاجر عام ٢٠١٠، ظهر ابودعاء ( ابو بكر) الدكتور ابراهيم البدري على ساحة الأحداث وضمن الهيئة الشرعية في ولاية الانبار، وعضو في مجلس شورى دولة العراق الاسلامية، برحيل المهاجر المصري آخر قيادات القاعدة العرب في العراق، بدأت القيادات العسكرية ذات التاريخ البعثي، والهيئات الشرعيّة ( السلفية-القطبية) في التواجد حول ابي بكر البغدادي. لقد كان الفكر القطبي للهيئات الشرعية مركزا على منهج ابعاد القيادات غير العراقية وحمل قضية الذود عن العرب السنة ضد الخطر الصفوي. وفكر القيادات العسكرية بدوره كان خليطا من هذا العامل وعوامل أخرى، كان من بينها التأسس على فكرة أن هوية سنة العراق في خطر وأن السنة في معركة وجود.

٣-بمرور الوقت أًصبح هذا السبب الافتراضي مركزيا في فكرهم، فالظروف التي مرت بها سنة العراق سياسيا او حكوميا توسعت بسببها هذه الجماعات المسلحة، ولعبت دورا في تعزيز هذه الأفكار، بإسناد قنوات فضائية عراقية وعربية وبعض مخابرات دول الجوار العراقي.

تنظيم داعش الذي اختطف الدور القيادي للظواهري في العراق وتمرد عليه في سورية، اتخذ من البغدادي أميرا للمؤمنين وأعلن الولاية العامة له، والزم كل من يحمل السلاح في العراق وسورية ببيعته، وازاح كل القيادات التاريخية في تنظيم القاعدة في العراق اما بالقتل او التجميد او إعطائه صفة استشاري اعلامي او شرعي، ولم يقم تنظيم داعش بخلق تحالفات عسكرية في ميدان تواجده، بل ملأه بهيمنة مفرطة لجنوده.

٤-وبرغم تبني داعش لمسألة الخلافة الدينية، ومحاولته لأن تكون مصدرا دعائيا له، بجانب توحيد الفصائل تحت قيادته، إلا أن القطاع الأكبر من الفصائل الجهادية في العراق والشام ومن التكفيريين القدامى ذوي الشخصيات التأريخية كانوا معترضين على كل ذلك. ومع قمع داعش وتضييقها على قيادات جبهة النصرة وأحرار الشام والجبهة الاسلامية، إلا أن توسع هذه الفصائل يتقدم في الساحة السورية بشكل متزايد لا ينافسها فيه أحد.

٥- وفي نهاية عام ٢٠١٣ حققت تلك الفصائل الانتصارات المتتابعة على داعش، وفقدت داعش الكثير من مواقعها وبدأت تنتقل من موقع إلى موقع آخر. هذا الانتقال ليس له دلالة الا هزائم داعش المتتالية. الخطاب الأخير للجولاني الذي كان ردة فعل على اغتيال ابي خالد السوري، الذي ليس لديه عداوة فعلية مع داعش، وكان في أحوال كثيرة يسعى للصلح بين داعش والنصرة…قتل الشيخ السوري افسد على داعش ميل عواطف الجهاديين اتجاههم وأفقدهم القدرة على التجنيد، ولم يكن من اعلام داعش الا تكذيب خبر قتله من قبل جنودهم!

٦-لقد اختلفت الحالة اليوم، وتغير موضع جبهة النصرة التي اصبحت مؤيدة من كل كتاب ومشايخ الجهاد، وأصبح البغدادي منقودا، يترصد الجميع خطواته!. واصبح من المتوقع انتصار النصرة،فالجسد الجهادي العام يقف خلفها الان. فهي مقبلة على معارك معقدة مع داعش، واصبحت تؤسس بوضوح لفكر يتجانس مع إرادة تركيا والسعودية في إسقاط نظام الأسد.

ربما اذا انتصرت جبهة النصرة على جهلة البغدادي في سورية، سوف تبدأ القاعدة الدولية بإعلان مراجعاتها الفكرية وبداية مرحلة جديدة، واللجوء الى أفكار جديدة كأفكار الشيخ راشد الغنوشي الذي أُثّر في فكر حركة النهضة، وصنع منها فاعلا سياسيا يؤمن بالمشاركة ويثق بالمدنية.

٧-إن فوز النصرة بالسلطة قد يمثل استفرادا بها، فعبر الوقت تتم مصادرة الساحة الجهادية الاسلامية في سورية، مستغلة التحول الى الاعتدال في سلوك قاعدة الظواهري المتمثل بجبهة النصرة، واستعمال قائمة طويلة من الإصلاحات المنهجية تعزز من حظوظ الجولاني في معركته ضد البغدادي.

وحينئذ ليس للفصائل الإسلامية السورية الا أن تتحالف مع الجولاني لاتفاقها على ذات المبدأ ذاته الذي انطلقت من خلاله؛ صراعٌ من اجل الحكم الاسلامي !

 لماذا ينسحب تنظيم داعش :-

١- المتابع لتنظيم داعش يعلم انه يجيد فن خلق الأعداء وخاصة ضمن محيطه الاسلامي الجهادي وبيئته السنية،فتح عدة جبهات قتالية مع العشائر والحكومة والفصائل والصحوات والسياسيين وبعد انسحاب القوات الحكومية من مدن الانبار استغلت الخلايا النائمة لداعش هذا الفراغ الامني وباسلحة خفيفة وصولات سريعة سيطروا على مراكز الشرطة ومقرات الامن في جميع مدن محافظة الأنبار، الامر الذي مدهم بأسلحة وعجلات وعتاد يحلم ان يمتلكه تنظيم داعش!

٢- فلول تنظيم داعش المنهزمة في معارك حلب والرقة تحاول ان تدخل العراق من جهة جزيرة الموصل ويقدر عددهم ب١٠٠٠ مقاتل وهم يحاولون النفوذ الى الجانب العراقي بكل وسيلة !

٣- جبهات القتال في سوريا أفسدت على قيادة داعش الحفاظ على مركزيتها واضعف تركيزها على جبهة الأنبار في العراق، الامر الذي دعاهم الى الانسحاب باتجاه الثرثار والجزيرة والنباعي والعويسات وعلى طول نهر الفرات… وهم توزعوا على ولايات العراق وتحديدا ولاية الشمال وولاية الجنوب!

٤-تنظيم داعش من احداث الانبار ربح؛ الكثير من الاسلحة والاعتدة والعجلات وايضاً نشط عديد خلاياه النائمة وحسب متابعتي ان عديد من التحق بهم ربما يزيد على ١٠٠٠وايضا حصل على مبالغ مالية كبيرة من خلال سيطرته على المصارف والبنوك.. وايضا استطاع تنظيم داعش في الانبار من استنزاف موارد الحكومة العسكرية وقتل أكبر عدد من جنود الجيش وقوات سوات وجهاز مكافحة الارهاب في المعارك لأنهم اكثر من يقاتل ويهاجم القوات الحكومية.

٥- تنظيم داعش لن يتنازل عن مناطق الرطبة وحصيبة وحديثة وهيت والسلمان والكرابلة في الانبار، ليس من الضروري مسك الارض عنده ولكن من الضروري عنده العمل الامني والاستخباري ورعب السكان وأخذ الإتاوات والتجنيد لخلاياه النائمة.. وأما بالنسبة للجانب السوري فانه لن يتنازل عن مسك الارض في اليعربية والبوكمال ودير الزور والبعاج و السفيرة ومركز حلب والسخنة بإتجاة تدمر والغوطة ( الشرقية ) وحماة بإتجاة حلب… وهذا ما دفعه الى تكتيك الانسحاب وإعداد الدعم اللوجستي لأجل معركة طويلة الأمد.. وكذلك فتح جبهات قصيرة الأمد في محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى لأجل المشاغلة الإعلامية.

٦-وأي جبهة إضافية يفتحها تنظيم داعش إنما هي لأغراض إعلامية وخاصة في ولاية الجنوب في العراق، اصبح تنظيم داعش على المحك في سوريا ولذلك يجب عليه ان يحافظ سمعته القتالية في السيطرة على هذه المدن المذكورة في اعلاه.

٧- اعتقد ان داعش البغدادي سوف تعمل على انسحاب من معارك مسك الارض في العراق وبعض مناطق سوريا وسوف تلجأ الى معارك محدودة على قدر تأكدها من النصر للمحافظة على سمعتها!

٨- قريب جداً والله اعلم سوف نسمع مقتل البغدادي وكالعادة خيانة مقرب منه ولكن هذه المرة بيد قاعدة الظواهري.

المهاجرون في شبكة القاعدة:-

١-عبدالله عزام وأنور شعبان وخطاب وأسامة بن لادن كلها أسماء نجحت في توظيف جهود المهاجرين العرب بمعارك أفغانستان والشيشان والبوسنة.

٢-عبدالله عزام أسس مكتب الخدمات في بيشاور ووزع الوجود العربي على جميع القادة الأفغان مما جعله صمام أمان للتوافق طوال فترة الجهاد الأفغاني!

٣-قدم أنور شعبان والعرب المهاجرين في البوسنة خدمات إغاثية ودعوية بجانب الجهد العسكري الذي كان يدار بالتنسيق مع قيادة الجيش البوسني.

٤-دخل بن لادن في بيعة أمير أفغانستان الملا عمر ونجح بتوظيف الوجود العربي في دعم الإمارة عبر أكثر من ٢٠ معسكر تدريب داخلي..تحالف القاعدة وطالبان استمر منذ ١٥ عاما بالمتانة نفسها!

٥-الزرقاوي نهاية عام ٢٠٠٤ ارسل كلا من علاء المختار وحجي علي المعروف برشيد الكرخي وبقيادة بدران تركي هيشان المزيدي الشعباني، حيث كلفهم تأسيس مكاتب استقبال المهاجرين.

٦- بدران الشعباني كونه ابن منطقة الحدودية، تبنى موضوع التنسيق مع مهربين من عشائر الكرابلة والسلمان والعكيدات والبعاج لتهريب المهاجرين من سورية الى العراق.. واستقر هو في منطقة الزبداني ولديه مقرات في البعاج والعكيدات ودير الزور.. وكان يساعده غازي المزيدي، وأكرم تركي اخو بدران، والمدعو ياسر خلف حسين نزال الراوي، والمعروف ب( طه البنشي السوري او جابر طه فلاح) الذي عرف بعد عام ٢٠١٢ ب ابي محمد العدناني، الناطق الاعلامي باسم داعش وأمير الشام.

٧- ويمول هذه الشبكة المدعو محمد يوسف الفلسطيني ابو اشرف والمدعو صداح جايلوت مارسوني (ممول الشبكة وقريب بدران).

٨- في نهاية ٢٠٠٥ اعتقل طه البنشي واعترف عن تفاصيل تلك المكاتب، ومن ثم اعتقل الشيخ ابو ثابت الشامي عام ٢٠٠٧، وعام٢٠٠٨بعملية إنزال أميركية داخل الحدود السورية وتم اعتقاله وهرب من سجن كروبر عام٢٠١١.

٩- هناك شبكات متعددة ومتوازية تمد العراق بالمقاتلين عبر سورية، وإيران وتركيا، والعديد منها شبكات تهريب تقليدية اكثر من كونها عقائدية مرتبطة بامارة الحدود التابعة لشبكة القاعدة.

١٠- إمارة الحدود في العراق التي أسسها الزرقاوي وغير اسمها ابوعمر البغدادي الى ولاية الجزيرة وجعل عليها ابا سليمان العتبي وغسان محمد امين الراوي ومن ثم نشطها ابوبكر البغدادي وجعل أمرها يتبع ولاية الجزيرة…وسلم أمرها الى ابي مهند السويداوي اسماعيل لطيف..

١١- واني أظن أن ولاية الحدود او الجزيرة، قامت بتهريب اكثر من (١٠،٠٠٠) عشرة آلاف من المقاتلين الأجانب إلى العراق الذين تحول اكثر من (١٠٠٠) مقاتل إلى انتحاريين وانغماسين.. وقسم كبير منهم رجعوا الى بلدانهم في احداث الربيع العربي ومعارك سورية..والذي بقي منهم لا يزيدون على (٢٥٠)مقاتلا من المهاجرين يتواجدون في الموصل وصلاح الدين والأنبار!

*باحث ومؤرخ في شؤون الجماعات الاسلامية

 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة