سيناريو حكومة الأغلبية السياسية

هشام الهاشمي*

بطبيعة الحال تظل هناك فرص كبيرة لبروز تحالف سياسي جديد لمواجهة مشروع حكومة الأغلبية الذي دعا له تحالف دولة القانون، إلا أن هذا التحالف يواجه تحديات عدة حقيقية تحتاج إلى علاقات وحوارات كبيرة قبل تكوين أسسه وبرنامجه.

ندرك جيدا أن مشكلة معارك الأنبار التي تعصف بالعراق تقف حجر عثرة في طريق بناء تحالف على أساس القومية العربية (قوائم العرب السنة مع قوائم العرب الشيعة) في مواجهة المشروع القومي الكردي الانفصالي، كما أن الانقسامات الشيعية – الشيعية تعطل دائما العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الكردية.

والأمر الأكثر تعقيدا في ارتباط القوائم الشيعية بالقرار الإيراني، فلا يوجد اي تفاق بين القوى الشيعية والقوائم الأخرى، الا بعد موافقة طهران..

قائمة متحدون والوطنية والعربية، لديها خط احمر على الاتفاق مع تحالف دولة القانون، خط يدفعها لتصفية حسابات داخلية وإقليمية مع المالكي والانتصار لمسائل شخصية بحتة، في ظل مراعاتها التامة لعواطف الجماهير السنية الرافضة لولاية المالكي الثالثة، في المقابل تسعى قوائم السنة العرب الى عدم العمل بالضد من المشروع الإيراني في العراق، وايضاً مراعاة المشروع التركي الساند لها.

الواقع أن أحد أهم أسس المشروع السياسي العراقي يكمن في العمل على محورين رئيسين؛

أولهما مشروع يركز على التوازن بين العلاقات العراقية بالمربع الدولي (امريكا- ايران- تركيا- الخليج)، وأي تحالف يقف في وجه هذا التوازن أو يؤدي إلى ترجيح احد أضلاع المربع على الاخرى، او إهمال احد تلك الأضلاع، سوف يفسد على العراقيين أمنهم واستقرارهم، ويتحقق ذلك من خلال دبلوماسية تحتوي الجميع وتقبل بهم لصالح العراق، وإهمال التأثر بالخلافات بين أضلاع ذلك المربع.

أما ثانيهما فيعتمد، على توطيد العلاقات الداخلية مع بقية القوائم وحتى المعارضة بعيدا عن أي تكتلات طائفية او قومية.

إن الإشكالية الكبرى التي كانت، ولا تزال، تواجهها القوائم السياسية العراقية في مقابل البرنامج الحكومي تتمثل في غياب برنامج وطني حقيقي لمواجهة الفساد المالي والإداري وتوغّلات وتدخلات أضلاع المربع الدولي في البرنامج الحكومي، تارة تحت غطاء مذهبي او طائفي او قومي او مزاعم الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان والأقليات.. بينما الهدف الحقيقي تسجيل مكاسب سياسية واقتصادية، وتشكيل قاعدة شعبية، وبناء احزاب سياسية تابعة، وأذرع مليشاوية موالية.. في ظل ضعف برلماني وحكومي عراقي.

ومن أجل تحقيق تحالف سياسي قوي، يواجه مشروع الأغلبية السياسية في العراق ينبغي على القوائم الاخرى العمل على مستويين رئيسين:

الأول، فردي بحيث تقوم كل قائمة سياسية على حدة بمنع جميع نوابها من الانفصال او الانسحاب منها باتجاه تحالف المالكي، (وهي الطريقة والتي أدت إلى بقائه رئيساً للوزراء الى الوقت الحالي)، والعمل على تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز وحدة القرار داخل القائمة على كل الأصعدة السياسية والحكومية. أما المستوى الثاني، فيأتي نتاجا للمستوى الأول، ويتبنى فكرة صناعة تحالف مع القوائم الاخرى المعارضة لمشروع تحالف دولة القانون، والعمل الجماعي والتحرّك كفريق متكامل ومتجانس بهدف إفشال تحالفات المالكي وتحجيمه، وبالتالي تحويله من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع والانكفاء على المحافظة على نوابه، وجعله يشتغل في المطالبة بالاستحقاقات الانتخابية، التي ظل المالكي يتهرّب منها طيلة الاربع سنوات الماضية.

من جانب آخر، يحتاج تحالف دولة القانون إلى إعادة النظر في سياسة تعامله مع المرجعية في النجف، ومجابهتها وفقا لنمط يتوافق ومنهجية المرجعية في ايران او حتى لبنان، خاصة عندما يكون الحديث عن المرجعية غير العربية في حوزة النجف. ولتبسيط هذه النقطة، ينبغي أن ندرك جيدا كيف تنظر المرجعية غير العربية إلى سياسة المالكي وتحالفاته السياسية، وإيمان المرجعية الواضح بأن المالكي غير قادر على ادارة الحكومة القادمة، وغير مؤهل لذلك، وأن حكومة المالكي التي يمتد تاريخها لأكثر من ثمان سنوات وما حققت للشعب العراقي الا الشي القليل..

بعبارة أكثر وضوحا، يؤمن ساسة دولة القانون بأن صمت القوائم السياسية الاخرى في مقابل تجاوزاتهم وتدخّلاتهم المتكرّرة في القضايا الدستورية، بل وحتى الاعتراضات السياسية للمعارضة خجولة في الغالب، وهذا ناجم عن عجز هذه القوائم عن المواجهة، مما يمنح الساسة في تحالف دولة القانون حالة من الشعور بالغرور والعلو، ومن ثم التمادي في تجاوزاتهم على الدستور والقوانين.

لذا فإنه أصبح من الضرورة بمكان البدء في تشكيل تحالف عراقي يوقف مشروع الأغلبية السياسية لتحالفات دولة القانون في العراق، ويضع حدا لدعم بعض أضلاع المربع الدولي للجماعات المسلحة في العراق، ما يصب في نهاية المطاف في خدمة المشروع الطائفي، حتى وإن ظهر ذلك بنكهة حماية المدنيين وإسناد القوات الحكومية ومحاربة الإرهاب، بينما هو في واقع الأمر مشروع سياسي، بسبب غياب دور البرلمان العراقي في المراقبة والمحاسبة.

* كاتب وباحث عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة