عمل إدهاشي تجريبي إستثمرَ الموسيقى والتشكيل والسينما
عقيل هاشم*
المسرح الحديث في أوج تجاربه راح يستضيف أنواعاً من الفنون شتّى، يستعير أدواته، ويسترفد تجاربه، و يستلهم طرائقه في الصياغة والتعبير، متجاوزة تلك الأعمال بذلك، أسطورة «نقاء الجنس» و»هويّة النّوع».
وهنا ترافدت الأطراف المتحاورة وتبادلت التأثر والتأثير. المسرح في صياغة خطابه قد استلهم طرائقه في تصريف الكلام وتأسيس الرمز، هذه الفاعلية أعطته قدرة على أن ينفتح على آفاق دلاليّة وجماليّة جديدة.
فقراءة متأنّية لهذا العمل يكشف عن تراسله مع الموسيقى والتشكيل والسينما، إذ استعارت من الفنّ السّابع أساليب (القطع والوصل والمونتاج والإلصاق والكولاج)، كما تكشف عن تفاعلها مع الرسم « الالوان -الازرق/ الاحمر»، وقد استعارت منه لعبة الضوء والظلام، والنور والظل .
إن مساحة من الوعي والثقافة والتواصل الجمالي، لهو المؤسس على باصرة تتأمل ما حولها، هي بعض عدة الإبداع التي لا مناص منها لكل كاتب متنور، ليحقق غاياته في الرؤية والبعد الفني المخبر عنه، وذلك كله أفق لتلاقي الفنون وتلاقحها واتساق كينونتها وفي حضورها الإبداعي الذي تذهب منه إلى حيث تشكلها الأجناسي الخاص.
بهذا الفهم التنويري وبالصادح من التوهج الذي يسكن روح المسرحي المثقف، وبعين المخرج، ومهارة التشكيلي في رسم وتكويم معمارية تلك التعالقات الجمالية الراقية.
موضوع توظيف «انتروبيا» في هذا العمل قد انفتحت عوالم المسرح بفعل التجريب والتطور الخطاب السمعي بصريا. ومن خلال التعالقات النصية والأجناسية حصل هذا التنافذ والتخادم بين تداولية الفنون – الموسيقى واللون وما انطوت عليه من ممكنات فن التمثيل الإيمائي وخيال الظل، حيث استعارت هذه الصور الدرامية روح مختلف تقنيات وأساليب هذه الفنون، وقد توقفت عندما أضفاه كل فن من الفنون المستهدفة من وظيفة جمالية أثرت على معمار العرض وعلى أبعادها التركيبية والدلالية.
ولم تعد الأعمال المسرحية المعاصرة أعمالاً تنتفي فيها الجوانب المقاومة والمحاججة إلى جانب الجمالية والفنية، كما أبان ذلك في عمل الكاتب والمخرج علي العبادي وفي أغلب أعماله على وجه الخصوص. وكذلك لم يعد من الممكن تصور تلك الأعمال بمنأى عما نتحدث عنه والتي لا تخرج عن ثالوث (القبح والسخرية وازدراء الحدث)، ولأنه صاحب مشروع استباح لنفسه مساحات جديدة تجعل من سلوكيات «المقدس الاجتماعي والسلطوي مدخلا لفهم مايقدم للمسرح، وعلى سبيل المثل لا الحصر في نصوصه «مرحاض- مقبرة –تفو – انتروبيا».
المايم خيال الظل – من المعروف قد ارتبط هذا النهج بالمفاهيم النفسية والاجتماعية والفلسفية والجمالية بنية معرفية وبهوية شمولية ووجود فني دلالي تأملي، وهو من الفنون الحداثوية التي ارتكز عليها الكاتب والمخرج علي العبادي في تقديم عرض «انتروبيا»، معتمداً على لغة الظل؛ كونها «لغة فكر وحركة وجسد وإيقاع وضوء وظلام»، ليحقق الاندهاش عبر تحقيق عناصر إبداعية تمحورت في التعبير عن الواقع بوعي التمثيل وجودة الفكر وإتقان العمل الإخراجي ودقة التقنية الرقمية.
وإن «انتروبيا» الذي وسمه به العرض كأسم، فهي تعني عالم الفوضى، وفي تصريح المرتقى الفني، يراها احتجاجاً على المتغير السياسي والاجتماعي والثقافي. وإن هذا العرض يعد كتابة في بسالة الجسد، وفي وعي حريته العميقة، يسعى من خلاله الكاتب والمخرج (العبادي) للنبش في ذاتوية الجسد بوصفه الهوية والمعنى، والاستقراء مكنونات هذا الجسد عبر حجاجية الخطاب في السياق الثيمي، عبر توظيف مفهوم المنظور وتبئيراته في تجلية علائق عادة ما يقترحها المنظور مقابل تعويض لواقع مهزوم واستلابي، وكذلك عبر التعاطي الإشكالي مع أزمات الحرية والايديولوجيا والدوغما الفكرية والدينية، إذ تكون الكتابة أفعال الجسد هي اللعبة الخارقة التي استغرقها الكاتب والمخرج لكي يتلمس حريتها وقلقها .
وختاماً، إن المشتغلين في هذا العرض حسب ترسيمة «الفولدر» جاءت على النحو التالي: الأداء الظلي للمبدعين: إبراهيم العكيلي، علي العبادي، علي هادي الفتلاوي، والتقانة الرقمية: سعد حسين، والإدارة المسرحية: علي الفتلاوي، احمد خضير الربيعي، مسلم الجبوري.
أقول هي خطوة متقدمة من مركز «باهرون وملتقى خان النخيلة» في تقديم هذا العمل، مسرحية «انتروبيا» عمل ادهاشي تجريبي استثمر الفضاء البصري معتمداً على تعددية التأويل في عوالم الاحتجاج الفكري.
ولتحقيق هذه المآرب اختار الكاتب والمخرج هذه الأدوار الذي تؤديها شخصيات بعينها باستمتاع، ربما لأنه أقرب إلى شخصياتنا الطبيعية . التي تتطلب منها اللعب على مشاعر المتلقي في تحريك العمل الفني بانتقالات جمالية متسلسلة.وقد جسد هذا الأداء التمثيلي، للمواقف بحرفية العارف بعمله . خال من أي انفعال،
أما مفردات هذا العمل جاءت متوالية حكائية ممسرحة: الانتخابات – خط احمر -طفولة سبايكر -لعبة المنضدة -المتحف – الدوران في حلقة مفرغة.
- كاتب عراقي