مساعدات الاتحاد الأوروبي بهيئتها الحالية لن تصلح اقتصاد فلسطين

ألكسندرا جيراسيمتشيكوفا

بروكسل ــ تركز المؤسسات المالية التابعة للاتحاد الأوروبي بشكل متزايد على فلسطين من أجل المساعدة في تحفيز التنمية المستدامة، وخلف فرص العمل، وتعزيز النمو، ودعم التعافي بعد الجائحة. لكن على الرغم من التدفقات الضخمة من الاستثمارات ــ وأغلبها في هيئة قروض للقطاع الخاص الفلسطيني ــ يواصل الاتحاد الأوروبي تجاهل العقبات البنيوية التي تحول دون تنمية فلسطين. بدلا من ذلك، تعمل مساعداته على دعم النظام المصرفي الفلسطيني وإطالة أمد بقاء اقتصاد معطل تحت الاحتلال.
وفقا لمراجعة الاتحاد الأوروبي الأخيرة للاستثمارات في فلسطين منذ عام 2014، فإن المساهمات المستمرة من «فريق أوروبا» (Team Europe) ــ الاتحاد الأوروبي، وبلدانه الأعضاء، وبنوك التنمية العامة التابعة له، وخاصة بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية ــ تصل إلى 1.4 مليار يورو (1.5 مليار دولار أميركي). تعهدت الأطراف بثلاثة أخماس هذا المبلغ في العامين الماضيين، حيث تمثل القروض 71% من الإجمالي، أو نحو مليار يورو.
يُـعَـد بنك الاستثمار الأوروبي، الذي افتتح في القدس مؤخرا مكتبا للضفة الغربية وقطاع غزة، المستثمر الأكبر، حيث يمثل 372.3 مليون يورو ــ أكثر من ربع التمويل الأوروبي لفلسطين. قدم الاتحاد الأوروبي 77.1 مليون يورو من خلال أدوات مثل المساعدات الفنية، والضمانات، ومِـنَـح الاستثمار من الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة. وتضم قائمة كبار المستثمرين أيضا السويد (279.5 مليون يورو)، وفرنسا (253.2 مليون يورو)، وألمانيا (166 مليون يورو). وإذا ما علمنا أن مساعدات التنمية الأساسية التي قدمها الاتحاد الأوروبي لفلسطين في عام 2020 كانت نحو 241 مليون يورو، فسوف يتبين لنا أن هذه المبالغ ليست بسيطة.
لكن نسبة القروض المتعثرة بين الشركات الفلسطينية الصغيرة والمتوسطة الحجم آخذة في الارتفاع، كما كانت مديونية الأسر في ازدياد أيضا، مما يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان المزيد من القروض من الممكن أن يدعم النمو الاقتصادي المستدام. بدلا من ذلك، يهدد هذا النهج بسحب المساعدات الأوروبية من القطاعات حيث تشتد الحاجة إليها، مثل صناديق المجتمع المدني، أو التحويلات النقدية للأسر التي تعيش في فقر مدقع، أو دعم خدمات القطاع العام مثل التعليم والرعاية الصحية.
عانت هذه القطاعات بشدة منذ اقترح مفوض الاتحاد الأوربي المجري أوليفر فارهيلي تجميد جزء كبير من ميزانية مساعدات الاتحاد الأوروبي بسبب ادعاءات حول تحريض بعض الكتب المدرسية الفلسطينية على العنف والكراهية ــ برغم أن دراسة ممولة من الاتحاد الأوروبي تخفف من هذه المزاعم. بعد ما يقرب من العام من المناقشات ذهابا وإيابا حول جعل حزمة المساعدات مشروطة بإصلاح التعليم، قررت بروكسل الإفراج عن الأموال. بصرف النظر عن هذا، كانت العواقب المترتبة على التجميد شديدة وواسعة النطاق: إنهاء العلاجات المنقذة للحياة لنحو 500 مريض بالسرطان على الأقل، وتعليق التحويلات النقدية لما يصل إلى 120 ألف فلسطيني مستضعف، وخفض رواتب القطاع العام.
كانت زيادة تمويل القطاع العام عاملا رئيسيا في التعافي الاقتصادي في أوروبا بعد الجائحة، وينبغي أن تضطلع بدور مماثل في فلسطين. الواقع أن ضم إسرائيل الفعلي للأراضي في الضفة الغربية يجعل دعم القطاع العام للشركات الفلسطينية الصغيرة جهدا لا غنى عنه. تفتقر فلسطين إلى السيادة والسيطرة على حدودها ومواردها الطبيعية، وتعمل العقبات البنيوية ــ التي تتراوح من القيود المفروضة على التنقل إلى سيطرة إسرائيل على التجارة الخارجية الفلسطينية ــ على الحد من مساحة الأنشطة التي يستطيع القطاع الخاص مزاولتها. بموجب اتفاقيات أوسلو، أصبح الفلسطينيون عالقين فعليا في حالة من الاعتماد الاقتصادي على إسرائيل والمساعدات الدولية، مع غياب الحيز المالي اللازم لتلبية احتياجات التنمية الوطنية.
ليس من المستغرب أن تتسبب آثار الاحتلال المطول وسياسات المساعدات النيوليبرالية القصيرة النظر ــ المستويات العالية من البطالة، وفجوات التفاوت، والاستدانة، والفقر المتفاقم ــ في زيادة اعتماد السلطة الفلسطينية على القروض المصرفية لتغطية العجز المالي. الآن، تشكل السلطة الفلسطينية وموظفو القطاع العام نحو 40% من الائتمانات المصرفية.
وهذا يسلط الضوء على مزيد من المخاوف بشأن مليار يورو من القروض الأوروبية، الموجهة في الأغلب الأعم نحو البنوك الفلسطينية ومؤسسات التمويل المتناهي الـصِـغَـر: الافتقار إلى الشفافية في ما يتعلق بالمستفيدين وعدم وضوح مكاسب التنمية بالقدر الكافي. الواقع أن الغالبية العظمى من الاستثمارات الأوروبية موجهة إلى دعم الشركات الفلسطينية الصغيرة والمتوسطة الحجم، لكن هناك أيضا تمويل قطاع الطاقة وتمويل الشركات، بما في ذلك الشركات المتوسطة الحجم وشركات التطوير العقاري. ونظرا للفساد ورأسمالية المحسوبية في السلطة الفلسطينية، فلا يجوز لنا أن نتجاهل خطر تهميش الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي تطلب بيانات إقراض مفصلة بالقدر الكافي من الوسطاء. في عام 2019، خلصت المفوضية الأوروبية إلى أن نتائج تدخلات بنك الاستثمار الأوروبي خارج أوروبا تظل غير معلومة في الأغلب الأعم، كما يواجه ممولون آخرون انتقادات مماثلة تتعلق بالشفافية.
صحيح أن الاستثمارات الأوروبية في فلسطين تتضمن بعض العناصر الإيجابية. على سبيل المثال، يقدم مرفق الضمان السويدي تغطية اختيارية للمخاطر السياسية بنسبة 90% من أصل القرض في غزة والمنطقة (ج). تشكل المنطقة (ج) نحو 61% من الضفة الغربية وتحتوي على معظم الموارد الطبيعية والأراضي الخصبة في فلسطين، والتي تُـعتبر شديدة الأهمية لجهود التنمية الاقتصادية الاجتماعية.
لكن سيطرة السلطات الإسرائيلية على المنطقة تمنع فعليا أنشطة الأعمال، ومن غير المرجح أن تفضل البنوك والمؤسسات المالية الكارهة للمجازفة المشاريع هناك دون حوافز حكومية. وعلى هذا فقد تعظم الشركات استفادتها من أشكال إضافية من الدعم العام مثل إعانات الدعم وخطط تخفيف الديون. لكن عدد الشركات في المنطقة (ج) وقطاع غزة التي تستفيد من البرنامج السويدي غير واضح من البيانات المنشورة.
إذا كانت أوروبا راغبة في تعزيز التنمية المستدامة في فلسطين، فلابد أن يكون إنهاء الاحتلال هناك على رأس أولوياتها الدبلوماسية. ولكن لأن التوصل إلى سلام إسرائيلي فلسطيني من خلال التفاوض يبدو احتمالا بعيدا، فيجب على الاتحاد الأوروبي أن يسارع إلى تطوير نموذج جديد للمساعدات يتناسب بشكل أفضل مع الحقائق على الأرض.
الواقع أن التمويل الميسر الأفضل تصميما والأكثر شفافية، مقترنا بالمنح المباشرة وخطط تخفيف أعباء الديون عن القطاع الإنتاجي والشركات الصغيرة ــ وخاصة تلك التي تتسم بدرجة أعلى من المخاطر وتلك التي تقدم مزايا اجتماعية أكبر ــ قادر على دعم اقتصاد قائم على الحقوق وحماية وجود الفلسطينيين على أراضيهم.
بوسع الاتحاد الأوروبي أن يعمل أيضا على توجيه المساعدات إلى الهيئات العامة الفلسطينية المؤهلة للإشراف على مثل هذه الاستثمارات. وفي عملية التخطيط، بدلا من الاعتماد على السلطة الفلسطينية التي لم تعقد أي انتخابات منذ عام 2006، يجب أن تُـجـرى المشاورات مع المجتمع المدني الفلسطيني، والنقابات، والجمعيات الفلسطينية لضمان تلبية الاحتياجات المحلية.
«إذا لم تكن معطلة، فلا تصلحها»، هكذا يوصينا القول المأثور القديم. ولكن في ظل الضائقة الشديدة التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني، يحتاج نموذج المساعدات الأوروبي بشدة إلى الإصلاح الشامل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
ألكسندرا جيراسيمتشيكوفا مستشارة شؤون الشرق الأوسط لدى منظمة تحالف ACT غير الربحية التابعة للاتحاد الأوروبي والتي تتخذ من بروكسل مقرا لها.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة