لميعة.. صوت الحرية والأسى

رحلت لميعة، “أفضل من جسّد الصوت الأنثوي الجريء، واحتفت على الدوام بثنائية الجسد والروح ” كما اجمع النقاد الذين عاصروا الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة، التي رحلت امس الأول عن عمر 92 سنة، قضت اواخره في الغربة بالولايات المتحدة، منهية بموتها الجيل الشعري الذهبي في البلاد، والذي ضم بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي، الذين حرروا الشعر من قيود التفعيلة، ونظموا الحر واسسوا لمدرسة جديدة، تبعها الغالب الأعم من الشعراء العرب.

   غادرتنا لميعة تاركة في الروح غصة وسؤالا: لم لم تترك سيرتها الذاتية، وهي التي اضاءت قصيد الأنوثة في خريطة الشعر العربي الحديث، وعاشت حياة زاخرة امتلأت – خاصة في شبابها واواسط عمرها -بالشعراء والمبدعين والمريدين؟

  هل كانت زاهدة؟ هذا السؤال الافتراضي يتحمل إجابة واقعية، تفيد بنعم انها كانت زاهدة! سيما وان الواقع الذي عاشته كان يسمح لها بل يهبها، ان تنال رضا الحكام وعطاياهم وهباتهم، لو مدحت أيا منهم، و- ليس في العراق حسب – سيما وانها كانت ايقونة مهرجانات الشعر، وذات حضور طاغ، يستلب صوتها والقاؤها الشعر الروح.

هل كان فهمها للحرية انها التزام الذات؟ هذا السؤال الافتراضي أيضا، يتكرر فيه احتمال الإجابة الواقعية.

في آخر حوار لها تقول لميعة عباس عمارة: ” تركت كل ما أملك ورائي في العراق ولم أحمل إلا القليل. كتبي، التذكارات التي أهديت لي من شعراء وأدباء عرب كلها ذهبت. حتى صوري وصور العائلة المعلقة على جدران بيتنا سُرقت. أنا امرأة بدون ماض “.

قبل ان تستقر لميعة عباس عمارة في اميركا، تنقلت بين العديد من البلدان العربية ومنها بيروت، وربما ادركت قبل تنقلها ان عليها ان تترك كل شيء وراءها لتكون حرة في حلها وترحالها، وصوتا يجسد رفعتها الشعرية.

ما يوجع في رحيل لميعة، انها لم تنل في آخر حياتها ما كان ينبغي ان تناله، فثمة في الحوار الأخير لها، نستشف انها كانت تحمل من الأسى والألم ما لا تقدر ان تتحمله الا روح تتقد بالرفعة، تقول: ” هذا التاريخ الطويل الذي حمل اسم العراق في محافل الأدب والشعر انتهى به المطاف للعيش تحت رحمة تقاعد خدمة المسنين الأمريكي “.

وما يجسد اسى لميعة في أواخر سنواتها احدى اخريات قصائدها:

وحدي على شواطئ الأطلسي

ليس سوى ذكرك كل مؤنسي

من غرفتي … عفوا ً فليست غرفتي بل محبسي

أرقب من شباكها الأحياء ملء الشاطئ المشمس ِ

مجردين غير خيطين بقايا ملبسِ

من غرفتي أحكي عن الحب أنا ..

وعن هوى ً لم ألمس ِ

كفيلسوفٍ يصفُ الخمر التي..

لم يحتس ِ …

اسماعيل زاير

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة