بعد إقرار قانون يسمح بنقل لاجئين إلى دولة ثالثة
الصباح الجديد ــ متابعة :
((سوري مهددون بالترحيل إلى بلادهم منذ أن أصدرت وزارة الهجرة والاندماج في الدنمارك عام 2019 تقريراً بعنوان الوضع الأمني في محافظة دمشق وقضايا تتعلق بالعودة إلى سوريا))
أعرب سوريون في الدنمارك عن القلق من ترحيلهم إلى “بلد ثالث” مثل رواندا بعد إقرار قانون يسمح بفتح مراكز يُرسل إليها طالبو اللجوء طوال فترة معالجة ملفّهم، وحتى بعد ذلك، في دول أخرى مثل رواندا أو إريتريا.
في الوقت الراهن هناك 900 سوري مهددون بالترحيل إلى بلادهم منذ أن أصدرت وزارة الهجرة والاندماج في الدنمارك عام 2019 تقريراً بعنوان “سوريا: الوضع الأمني في محافظة دمشق وقضايا تتعلق بالعودة إلى سوريا”، حيث يبدو أن الحكومة الدنماركية عازمة على تطبيق سياسة “صفر طلبات لجوء”.
فالتقرير الذي استند إلى مقابلات أجريت في عام 2018 في بيروت ودمشق مع خبراء وصحافيين عرب وأجانب، ركز على الوضع الأمني في دمشق واليرموك، واحتوى معلومات تتعلق بالخدمة العسكرية والدخول إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي، وكان الهدف منه تحديث معلومات متعلقة بطالبي اللجوء من السوريين. وكان بمثابة توصية، ووثيقة احتجت بها قوى اليمين المتطرف بأن دمشق آمنة؛ الأمر الذي دفع شهية أحزاب أخرى يسارية لتبني توصيات التقرير، والدفع بقرارات حكومية لسحب إقامات اللجوء من السوريين.
وكانت الخطوات التي تتبعها الدنمارك في مسألة اللجوء متوقعة منذ إعلان ماتياس تيسفاي، وزير الهجرة والاندماج الدنماركي عن رفض بلاده الاتفاق الأوروبي الذي نادى بتوزيع اللاجئين الواصلين إلى أوروبا على دول الاتحاد الأوروبي. وتزامن الإعلان مع إصدار قرارات الترحيل.
وهناك أكثر من 250 حالة سورية تنتظر قرار مجلس تظلم اللاجئين في الدنمارك. وقالت مواطنة سورية “لم يتركوا لي خياراً سوى الذهاب إلى بلد أوروبي آخر”، رغم أن إمكانية قبول طلب لجوئها في دولة أوروبية أخرى يبدو مجازفة، على حد وصفها. فالدول الأوروبية تنسق مع بعضها بعضاً وفق اتفاقية دبلن 1990 الذي يحدد مسؤولية دراسة طلبات اللاجئين، ويهدف إلى منع تعدد طلبات اللجوء من الشخص الواحد داخل دول الاتحاد الموقعة على الاتفاقية.
وكانت الحكومة الدنماركية وجدت نفسها في موقف محرج بعد تحرك مؤسسات ومنظمات دولية ضد التقرير الصادر في عام 2019. فالتقرير قد اعتمد على لقاءات أجريت مع صحافيين وخبراء من منظمات عدة، مثل “مؤسسة هاينرش بول” الألمانية، و”هيومن رايتس ووتش”، و”سوريا على طول” ومنظمات أخرى معنية بالشأن السوري، والتي قد أعلنت في بيان مشترك نشر في 20 نيسان 2021 بأن الدنمارك أصدرت تقارير خاطئة تتعلق ببلد اللاجئين الأصلي، وأن هذه التقارير تؤدي إلى سياسات خاطئة بشأن اللاجئين، وما قدمه الخبراء والصحافيون من نصائح إلى دائرة الهجرة الدنماركية لم يتم تقديرها بالشكل الصحيح.
وفي آخر مستجدات الحكومة الاشتراكية الديمقراطية برئاسة ميتي فريدريكسن المعادية للهجرة لردع طالبي اللجوء عن التوجه إلى الدولة الشمالية الغنية، أقرت القانون على أن يبقى المهاجر في البلد الثالث حتى في حال حصوله على وضع اللجوء في نهاية الآلية.
وأقر النص بدعم من اليمين واليمين المتطرف وحصل على 70 صوتاً في مقابل 24، غير أنه لن يكون من الممكن تطبيقه إلا بعدما توافق دولة على استضافة مركز لاستقبال طالبي اللجوء.
وسارع الاتحاد الأوروبي إلى انتقاد القانون.
وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية أدالبرت يانتس، إن النص “يطرح أسئلة جوهرية تتعلق بالوصول إلى آليات اللجوء كما بالحصول الفعلي على الحماية”.
وأشار إلى أن نقل إجراءات اللجوء إلى الخارج “غير ممكن” بموجب القوانين الأوروبية، موضحاً في المقابل أنه ينبغي تحليل القرار الدنماركي “بشكل معمق أكثر” على ضوء الإعفاءات التي يستفيد منها هذا البلد في مسائل الهجرة.
وتنتهج حكومة وسط اليسار الدنماركية حالياً سياسة هجرة هي من الأكثر تشدداً في أوروبا، وتتضمن سحب الإقامة من بعض السوريين لاعتبار المناطق التي يتحدرون منها باتت آمنة، وتشديد قانون مضاد لقيام غيتوات يرمي إلى تحديد سقف لعدد السكان “غير الغربيين” في الأحياء، واعتماد هدف رسمي يقضي بالتوصل إلى “صفر مهاجرين”.
وبحسب مشروع القانون الذي ندد به قسم من اليسار والمنظمات الدولية، يتم إرسال أي طالب لجوء في الدنمارك بعد تسجيل طلبه إلى مركز إيواء خارج الاتحاد الأوروبي، مع بعض الاستثناءات النادرة مثل المرض الخطر.
وإذا لم يحصل على وضع لاجئ، يطلب من المهاجر مغادرة البلد المضيف.
لكن خبير مسائل الهجرة في جامعة كوبنهاغن مارتن لامبرغ بيدرسن لفت إلى أنه “في مشروع الحكومة، لن يسمح أيضاً للذين يحصلون على وضع اللجوء بالعودة إلى الدنمارك، بل يحصلون فقط على وضع اللجوء في البلد الثالث”.
وسيعهد بالعملية بكاملها إلى الدولة الثالثة على أن تتولى الدنمارك تمويلها.
ولم توافق أي دولة في الوقت الحاضر على استقبال المشروع، غير أن الحكومة تؤكد أنها تجري محادثات مع خمس إلى عشر دول لم تحددها.
وتتحدث الصحف الدنماركية عن مصر وإريتريا وإثيوبيا، لكن المفاوضات وصلت على ما يبدو إلى مرحلة متقدمة مع رواندا التي نظرت في فترة ما في استقبال طالبي لجوء لحساب إسرائيل.
ووقع بروتوكول اتفاق في نهاية أبريل مع رواندا ينص على التعاون في مجال اللجوء والهجرة، من دون أن يذكر نقل عملية معالجة طلب اللجوء إلى خارج الدنمارك.
وأكد وزير الهجرة ماتياس تيسفايي، أن النظام “يجب بالطبع أن يندرج في سياق الاتفاقيات الدولية. سيكون هذا شرطاً مسبقاً لأي اتفاق” مع دولة ثالثة، بعدما صرح الشهر الماضي بأن المسألة لن تعهد حكماً إلى ديمقراطيات “بمفهومنا لها”.
ورأى الخبير السياسي كاسبر هانسن، الأستاذ في جامعة كوبنهاغن، أنه يعكس تعميم اقتراحات كانت فيما مضى حكراً على اليمين المتطرف، على كل المروحة السياسية.
فبعد خمس سنوات من اعتماد قانون موضع جدل يسمح بمصادرة أملاك قيّمة من المهاجرين الوافدين إلى الدنمارك، ولو أنه قلّما طبّق حتى الآن، تواصل السلطات استراتيجية الردع، مشيرة إلى نقص الوظائف وارتفاع معدل الجريمة والتباين الثقافي.
ولم يحصل سوى 761 شخصاً على حق اللجوء في 2019، وتراجع هذا العدد إلى 600 في 2020، في مقابل أكثر من عشرة آلاف العام 2015. وهذا يعني أن نسبة استقبال اللاجئين على عدد السكان الإجمالي في الدنمارك، أدنى بعشر مرات منها في ألمانيا والسويد المجاورتين.
وقال الأمين العام لمنظمة “أكشن إيد دنمارك” غير الحكومية تيم وايت “هذا المشروع هو استمرار لسياسة رمزية، إنه أشبه من دونالد ترمب وجداره”، في إشارة إلى الرئيس الأميركي السابق الذي انتُخب على وعد ببناء جدار على الحدود مع المكسيك لم يتحقق في نهاية المطاف.
ويثير هذا التشديد الجديد لسياسة الهجرة قلق المراقبين الدوليين، فتعتبره المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة “مخالفا للمبادئ التي يقوم عليها التعاون الدولي بشأن اللاجئين.
وقال ممثل المفوضية في دول شمال أوروبا هنريك نوردنتوفت، إنه “بإقرار تغيير جذري وتقييدي كهذا ، فإن الدنمارك تهدد بالتسبب بسلسلة تدابير، حيث تقوم كذلك دول أخرى في أوروبا والمناطق المجاورة بتقصي إمكانية الحد من توفير الحماية للاجئين على أراضيها”.
وتفيد أرقام المعهد الوطني للإحصاءات بأن 11 في المائة من سكان الدنمارك (5.8 مليون نسمة) من أصل أجنبي، و58 في المائة منهم يتحدرون من بلد “غير غربي”.
إلى ذلك، أعلنت الحكومة الدنماركية، أنها تعتزم استعادة 19 طفلاً دنماركياً لمتطرفين وثلاث من أمهاتهم؛ بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية في مخيمات يحتجَزون فيها في شمال شرقي سوريا، بعدما رفضت طويلاً استعادة أي رعايا لها على صلة بالمتطرفين.