دون كيشوت

محمد زكي ابراهيم

كنت ما أزال طالباً في المدرسة الابتدائية حينما أثار انتباهي كتاب اسمه (دون كيشوت) في مكتبة المدرسة الصغيرة، فقرأته وأعجبت به. وقد تبين لي في ما بعد أنه نسخة عربية مختصرة لرواية الكاتب الإسباني ميغل سيرفانتس التي صدر الجزء الأول منها عام 1605، أعدت لتلائم اليافعين من أمثالي. وقد غاب عني الآن الكثير من التفاصيل عن الترجمة والإعداد والنشر بسبب طول الشقة.

وقد علمت في ما بعد أن أول نسخة موجزة عربية للرواية اضطلع بها مترجم عراقي اسمه عبد القادر رشيد نقلها عن الفرنسية، ونشرتها المطبعة السلفية في القاهرة عام 1923. وإن كانت بعض الفصول المعربة في الجزائر عن الفرنسية أيضاً، قد ظهرت قبل ذلك بربع قرن. فتحول اسم (دون كيخوته) الإسباني إلى (دون كيشوت) الفرنسي في الذائقة العربية.

كان الأستاذ عبد القادر رشيد التكرلي البغدادي (1894 – 1972) وزيراً للخارجية العراقية بين عامي 1932 و1933 في وزارة ناجي شوكت. وعمل مترجماً لسنوات في مجلس الوزراء. فلما ترك الوزارة التحق بشركات النفط الأجنبية العاملة في العراق لغاية عام 1959.

وهو غير الشاعر عبد القادر رشيد الناصري (1920 – 1962) المولود في السليمانية لعائلة كردية عاشت منفية في الناصرية بسبب مناصرتها لحركات الشيخ محمود البرزنجي الحفيد في عشرينات القرن الماضي. ومنها اكتسبت لقب الناصري. وإذا كان عبد القادر رشيد الشاعر قد حاز في أيامه على شهرة كبيرة، فإن عبد القادر رشيد الوزير والمترجم لا يكاد يعرفه أحد. فلم يقض في الوزارة سوى أقل من السنتين، تقاعد بعدها عن العمل السياسي. وبقيت ترجمته المبكرة لدون كيشوت هي الترجمة المعتمدة. أما أول ترجمة كاملة عن الإسبانية فكانت للدكتور عبد الرحمن بدوي عام 1965.

لقد كان السر وراء احتفاء الكثيرين بهذه الرواية في السنوات الماضية يعود إلى إعلان رئيس فنزويلا الراحل هوغو تشافيز (1999 – 2013) طبع نصف مليون نسخة بلغتها الأم وتوزيعها مجاناً ليطلع عليها النشء الجديد في بلاده، ويتعلم منها معاني البطولة والفروسية والثورة على الظلم. فدون كيشوت هذا لم تقنعه محاربة طغاة صغار، فآثر أن يبدأ بالكبار الذين يقفون وراءهم، وهم طواحين الهواء العملاقة. ولم يؤثر أن يغمد حسامه في أجساد أفراد معدودين، فذلك لن يجدي نفعاً. فاتجه إلى جيوش جرارة، اتضح في ما بعد أنها ليس سوى قطعان أغنام يسوقها رعاة شباب. وفي الحالين يعود مضرجاً بدمائه. فالطواحين تلقي به بعيداً. أما أحجار الرعاة فتصيبه في أنحاء متفرقة من جسده، لكنه لا يموت. بعد أن تحولت هزيمته في خياله إلى نصر مؤزر.

لقد حقق سرفانتس بهذه الرواية نجاحاً منقطع النظير عقب خلاصه من الأسر في الجزائر، بعد حوالي قرن على ضياع الأندلس. ولم تخل الرواية من الإشارة إلى العرب، مما جعلها مصدراً تاريخياً أيضاً، عدا عن تجسيدها لأحوال الفرسان في ذلك العصر.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة