التناوب الخطابي والقصصي في رواية “أنت الذي عليك دللتني” لـ سلوى أحمد

إبراهيم رسول

مصطلح الخطاب أو مفهوم الخطاب  يدخل في حقل العلوم اللساني ( البلاغية) وقد اهتم به البلاغيون كثيراً, وعدوه من صميم اختصاص البلاغة, وقد عرَّفه الكثير من الذي بحثوا في العلوم البلاغية, ولكن سنختصر تعريفاً له, لنمضي بعدها نرى أثره في العمل السردي للرواية التي نحن بصدد القراءة فيها, الخطابُ هو الكلام الموجه للمتلقي, والخطاب الأدبي يمتاز عن غيره إنَّه واضحٌ جليِّ, وبه استعارات وكنايات تعطي صورة فنية له. وكما يقول الاستاذ عمر عبد العزيز المحمود في جريدة الجزيرة الثقافية السعودية في عددها (359) لسنة 2012/1/5:

يمتاز الخطاب الأدبي عن غيره من الخطابات بكثيرٍ من المميزات التي تكفل له ماهيَّةً خاصَّة، وتَمنحه نوعاً من الاستقلالية التي تَجعل من تَحديده وتَمييزه عمليةً سهلةً لا تعقيد فيها، بوصفه خطاباً إبداعياً يتخذ من طريقة التعبير وجَمالية الأسلوب ركناً لا يُمكن أن يتنازل عنه، كما يعتمد على أدبية اللغة التي تكون لَها الكلمة الفصل في تَمييز هذا النوع من الخطاب عن غيره من الخطابات الإنسانية.

 أما خطاب الرواية الموجه من لدن الكاتبة هو خطاب توجيهي أو معرفي, قدمت له القاصة عبر دلائل رمزية من خلال القصص التي سردتها في متن الرواية, فهي تبدأ بخطاب موجه إلى المتلقي ولكنها تريد أن لا يكون عملها خطاباً فقط بل تراها تبدأ بخطاب لتقطعه لتتحول إلى ساردة لقصص صغيرة وحوادث أصغر, وثم تستمر بالسرد حتى تصل لثلث الرواية لتقطع القص لتعود قليلاً للخطاب, هذه العملية التناوبية التي كانت الهيمنة للقص أكثر وهذه حسنة, لأن أساس الرواية هي الحكاية أو السرد, امتاز الخطاب الروائي في هذه الرواية بأنه خطاب أنثوي إرشادي, القاصة تنزع نزعة دينية ملتزمة, تحاول أن تسلط الضوء على ما يمر في حياة الفتاة من ظروف ومواقف قد تؤثر على القرارات التي تُجبرها على المضي في أمورٍ قد لا تسرها, إنها تريد أن تكون للفتاة قوة قرار ورؤية كإنسان له رأي ووجود مادي ومعنوي, خلقت الكاتبة من شخصية سوزان معبرة عما تريد إيصاله من خطاب, تدخلنا الكاتبة في أوّلِ عتبةٍ نصيَّةٍ في روايتها, للتساؤل الذي يسأله الخيال السردي الذي تكتب به, فالنص ينفتح بعبارةٍ لينغلق في عبارةٍ أخرى, وما بين هذا الانفتاح والانغلاق ثمة لُعبة سردية تمارسها القاصة مع المتلقي, كأنَّها ترغبُ أن تجعل المتلقي يمشي خلفها باحثاً عن الغاية البعيدة, وهذه الاثارات أو الاستفزازات هي من قبيل الشطارة في المخاتلة التي تمارسها عبر المخيال الذي ترتكن عليه كثيراً لتأخذ المتلقي بسياحةٍ تفرضها عليه المتعة الفنية في تقنية السرد, إنَّ استخدام الراوي المتكلم جعل النص ذو نزعة خطابية وهذا ما يبحث عنه المتلقي, دخلنا إلى الرواية بمقدمةٍ غاية في المتعة بل إنك لن تعبر الصفحات حتى تعود لتتذوق تلك النكهة التي تجدها في الصفحة الأولى من العتبة الأولى المعنونة ( صوت الصدمة), ومن ثم تأخذ استراحة قصيرة عبر استخدام تقنية الوصف, الذي يُعد نقطة التوقف التي يستريح المتلقي وصاحب النص من أعباء السرد المجهدة, تصف عائلتها التي تعيش في مدينة بعلبك اللبنانية وتسمي أسماء أفراد عائلتها وتصف بيتهم, لغةُ الخطاب هي التي سادت في بدءِ الرواية إلا إن الخطاب بدأ بالتلاشي لتأتي القصة و تهيمن على الخطاب وتمضي القصة مهيمنة حتى قطعت أشواطاً كثيرة في القص, في نص الرواية نزعة واضحة للخطاب, ولكن الكاتبة يبدو أنها لا تريد أن تجعل هيمنة الخطاب على القصة, فتريد أن تعطي لكل منهما نصيبه من الرواية, سوزان الشخصية الأبرز في الرواية كأنها كانت تنزع نزعة مستقرة ثابتة وذلك بأن لهذه الشخصية الكثير من التفرد والثبات على رؤية محدد, فهي طالبة ملتزمة التزام اخلاقي وربما ديني وهذا واضح من أجوبتها لجهاد ساعة أوقفها ليخبرها بإعجابه وحبه لها, هي تقضي مع زميلتها ثلاث ساعات ولكنها تبخل على جهاد الشخص الذي يحبها بثلاث دقائق! هذا خطاب توجهه الكاتبة توجيه يتفق والأيديولوجيا التي تنطلق وفقها أو التي تؤمن بها, فجأة, ودون سابق إنذار أو تمهيد, يتعرض النص لانعطافة تعيد للنص حيويته الغضة, وهو موافقة سوزان على الزواج من فادي مراد, الرجل الذي يكبرها كثيراً, هذه الازاحة عن السرد جعلت المتلقي يتساءل ما هي مبررات هذا القرار؟ القرارُ كان مفاجئاً حتى لأهلها, وإذ الكاتبة ربما تكون لها مبررات منطقية كشفتها القصة لاحقاً, عنصر التشويق كان في هذا القرار كعتبة أولى لتتبعها عتبات أخرى مثيرة للمتلقي, التسلسل تتابعي, الأحداث متسلسلة برباط في متون الزمان, الثيمات الصغيرة تكثر وتدخل القصة في ثيمات أدق وأدق حتى تصل إلى نفق عميق من الثيمات, وكل هذا تم عبر الخيال الواسع الذي عوّلت عليه في بناء القصة ككل, فقد أعطت لسوزان القوة الشخصية والوقار والتأثير حتى في قرارات الأب أو الأم, هذه البنت تمر بحادثة تمر في حياتها صدفة لكن لهذه الصدفة أثرٌ بالغ ستمر به لاحقاً, قد تلعب الظروف الطارئة أثرها في حياة المرأة لكن عليها ألا تعيش الانكسار والخيبة وتبقى تندب نصيبها من الدنيا, قضية المرأة كإنسانة, وكأم, وكفتاة, هذا ما اشتغلت عليه الرواية, كأن الكاتبة تريد أن تقسمَ أطوار الحياة الثلاثة وخاطبت في كل طور من هذه الأطوار خطاب مختلف, تماشياً مع التغير والنضوج الذي تمر به المرأة, قضية الزواج التي هي من أهم القرارات التي يجب أن تدرسَ بعنايةٍ لأنه يتوقف عليها الكثير من الأمور الأخرى, وقضية التعليم التي لها تصور ومفهوم جديد تبثه الكاتبة عبر رمزية العلاقة والحوار الذي يدور بين سوزان وكارلا صديقتها الحميمة, ليتوقف الخطاب قليلاً ليحل محله السرد, إذ تصف الكاتبة ولعلها أراد أن تبدأ بالوصف لتعطي متنفساً لها وللمتلقي ليستجمع أدوات الخطاب ويلملم شتات ما تلاشى عنه, تصف حياتها مع أسرتها وهي بمرحلتها الجامعية, وما يصادفها من فجأة طارئة وهي قضية ( فادي مراد) الذي يكبرها كثيراً, وثم قضية الاعجاب والحب الذي يأتي لها, وتكون متأرجحة بين دوامتين, دوامة لليمين وأخرى لليسار, الفتاة تقرر أن تكون واقعية ولهذه الواقعية حديث طويل مفصلٌ في متن النص, إنَّ تأرجحَ الخطاب مع القصة هو ميزة اسلوبية, فالنزعة المستقرة الثابتة في بناء القصة كثيمة رئيسية أو كثيمات صغيرة تساعد في بناء الثيمة الأم هو ميزة اسلوبية للرواية, التي قد تجد لغتها لغة متناسبة تناسباً تام مع المقصد الخطابي الذي وجهته عبر دلائل أو مكملات جمالية للبناء, الاحداث كانت في أغلبها مبنية بناءً تسلسلي لكن القاصة جعلت من التناوب البنائي سمة  تشويقية, إذ كثيراً ما نصادف الدهشة  بهيئة اسلوب تناوبي, تاركة للبناء التتابعي الاستمرارية أو البناء الهرمي للرواية كعمل سردي واسع.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة