الصباح الجديد ــ متابعة :
تترقب الأوساط السياسية والإعلامية المهتمة بالشأن التركي ما سيحدث في الرابع والعشرين من شهر أبريل الجاري، وتتوقع مزيداً من التوتر الذي سيصيب العلاقات التركية الأميركية في ذلك التاريخ.
يأتي ذلك في وقت يعتزم الرئيس الأميركي جو بايدن، ممثلاً السلطة التنفيذية الأميركية، تبني مصطلح “الإبادة الأرمنية” في ذكراها السنوية الذي يصادف ذلك اليوم من كل عام.
وتبني الرئيس الأميركي المتوقع للمصطلح سيفرض على السلطات والمؤسسات الأميركية اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير السياسية والثقافية والرمزية، التي قد تنشئ توتراً بين تركيا والولايات المتحدة.
القرار التنفيذي الأميركي المتوقع اتخاذه سيكون تتويجاً لقرار مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركي، الذي اتخذه في أواخر العام 2019، حين اعترف بموجبه بالإبادة الجماعية الأرمنية، ونظم ورعى عددا من النشاطات لإحياء المناسبة، مما أحدث توتراً استثنائياً في علاقات البلدين.
فالولايات المتحدة كانت على عكس الدول الأوروبية تراعي الحساسية التركية من موضوع الإبادة الأرمنية، بسبب أهمية علاقات البلدين السياسية والاقتصادية والسياسية، خصوصاً ضمن حلف الناتو، حتى أن أوساطا ثقافية وسياسية أرمينية كانت تتهم الولايات المتحدة بالضغط على الدول الأوربية لغض النظر عن الموضوع.
كذلك كان قرار الكونغرس الأميركي بمثابة ضربة للعلاقات السياسية الشخصية التي كانت تجمع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان وقتئذ.
وتُعد مسألة “الإبادة الأرمنية” من أكثر الملفات حساسية بالنسبة لتركيا، لأنها تمس تاريخها التأسيسي، وتدعم اللوبيات الأرمنية القوية “المناهضة” لتركيا في مختلف الدول الغربية، غير ما قد تفرضه من التزامات سياسية وأدبية ومالية على تركيا مستقبلاً، بشأن تعويض الضحايا وإعادة الممتلكات والمؤسسات الدينية والأراضي التي تمت مصادرتها.
وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مارست السلطات العثمانية وقتها ما أسمته “حملات ترحيل” بحق الأرمن الذين كانوا مواطني الإمبراطورية العثمانية.
لكن الأحزاب والقوى السياسية الأرمنية والعالمية اتهمت السلطات العثمانية بتنفيذ حملة من الإبادة الجماعية بحق أبناء القومية الأرمنية في مختلف مناطق الإمبراطورية العثمانية، راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف أرمني، كانوا يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع “المواطنين الأرمن” وقتئذ.
لكن الدولة التركية الحديثة، التي ورثت الإمبراطورية العثمانية، لم تعترف بتلك المجازر، واعتبرت أن عمليات القتل التي طالت الأرمن وقتئذ إنما كانت مجرد حالات موت عادية، بسبب حالات الترحيل التي تمت.
الناشط والصحفي الأرمني المقيم في فرنسا فاهان طورجيان، شرح أبعاد القرار التنفيذي الأميركي المتوقع خلال الأسبوعين القادمين قائلا: “سيكون القرار أداة لتسريع قرار الكونغرس بإجراء المزيد من المناسبات التي تذكر بهذه المناسبة، التي قد تجري حتى داخل تركيا نفسها، عبر مؤسسات ثقافية ودبلوماسية أميركية هناك”.
وأضاف “كذلك فإنها ستوقف كل الجهود التي قد تحيد الولايات المتحدة أو تدفعها لمشاركة المؤسسات التركية أو المتحالفة معها، والتي قد تساهم في إنكار الإبادة الأرمنية”.
وتابع: “القرار التنفيذي سيشجع المؤسسات التربوية والإعلامية والثقافية والسياسية الأميركية على إنشاء مزيد من التعريف والوعي بالإبادة الجماعية التي طالت الأرمن وقتئذ، وأن تكون رديفاً لما طال اليهود على يد النازية أثناء الحرب العالمية الثانية”.
وتبدو الأوساط السياسية التركية فاقدة للأمل بإمكانية عدول الرئيس الأميركي عن مثل ذلك القرار، ويعتبرونه أول مناسبة يمكن للرئيس الأميركي وإدارته أن يوجهوا بها “ضربة” إلى السلطة التركية.
كذلك فإن المراقبين الأتراك يعتبرون “التاريخ السياسي” للرئيس الأميركي عبر مواقفه وتعامله مع مسألة “الإبادة الأميركية” إنما تؤكد قطعاً بأنه سيتخذ القرار حسماً ووضوحاً في ذلك الاتجاه.
فقد كان بايدن من أشد “المحرضين” والداعين لاتخاذ الكونغرس الأميركي لقرار “الاعتراف بالإبادة الأرمنية”، حيث كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي وقتئذ.
كذلك كان بايدن قد دعا وأيد قرارات مماثلة في ذلك الاتجاه خلال عامي 1984 و1990، والتي كانت محل شقاق بين أعضاء الكونغرس الأميركي، بين فريق مؤيد لتركيا وآخر داعٍ إلى تبني القرارات المُعترفة بالإبادة الأرمنية، ومثلها التي طالت اليونانيين والسريان الآشوريين.
مراقبون للشأن التركي أكدوا بأن الأسواق المالية ستكون أكثر الجهات المترقبة لقرار الرئيس الأميركي، فالليرة التركية التي تواجه صعوبات متراكمة من جراء السياسيات المالية المتخبطة التي تتخذها السلطات التركية، ستعاني مزيداً من القلق بسبب المزيد من تراجع المستثمرين ورجال الاعمال بالبيئة المالية والاقتصادية التركية، من جراء التوتر المتوقع بينها وبين الولايات المتحدة في ذلك التاريخ، الذي قد يصل درجة السحب المتبادل للسفراء.