مع الدكتور العاتي وإبداعه

-1-

في كتابه الفريد عن الصافي النجفي ، أطلعنا الدكتور ابراهيم العاتي – حفظه الله – بعد تتبع دقيق لحياة الشاعر وسيرته وغرائبه ، على أسرارٍ لم نكن نعرفها عن الرجل، وحدّثنا عن علاقاته الممتدة الى شتى البقاع وشتى الرجال …

وبهذا تتميز هذه الدراسة الموسومة بـ (أحمد الصافي النجفي غربة الروح ووهج الابداع ) عن سواها من الدراسات السردية التي لا تنبض بالروح المطلوبة في أمثال هذه المواطن .

انّ مجرد نقل النماذج الشعرية للصافي النجفي أو لغيره من الأعلام ليس عمليةٌ صعبة، بل هي عملية سهلة التناول، وقد جرّبها الكثيرون ممن لا يحظون بالمقومات اللازمة للبحوث والدراسات القيمّة .

-2-

انّ الدكتور العاتي لم يقف عند المحطة الأدبية فقط، بل تخطاها الى محطات التاريخ والجغرافية والمواقف الوطنية التي تبناها الصافي، ودَفَعَ ثمنها واقتيد اثرها الى زنزانات السجون .

-3 –

ومن العلاقات الوثيقة التي ارتبط بها الصافي علاقتُه بالمذيع الشهير (يونس بحري) فاسمعه ماذا يقول عن البحري الذي اختير رئيسا للقسم العربي في اذاعة برلين، وكان – كما قال الدكتور العاتي – :

صحفياً مغامراً ساخراً له قدرة شديدة في التأثير على المستمعين فانجذبت له الجماهير على امتداد الوطن العربي .

وقد حدّثني العديد من الاشخاص الذين عاصروا تلك الأيام مِنْ دُولٍ عربية مختلفة، كيف انّ الناس كانت تنتظر نشرته الاذاعيه مِنْ برلين بلهفة شديدة لتستمع لأخبار الحرب وتعليقاتِه الساخرة ضد الدول العربية الموالية لبريطانيا ،

وكان له برنامج مشهورا اسمُه ( حيّوا العرب).

غربة الروح ووهج الابداع ص 137

وأنت هنا تأخذ الصورة الوافية عن (يونس بحري) وتعرف أيضا أنَّ الدكتور العاتي رجل تربطه بالعديد من رجال الفكر والثقافة والأدب العرب روابط عميقة ، وانّه يوظف هذه العلاقات لصالح بحوثه ودراساته، ويتحفك بالجديد، ولا يقتصر على ما جرى تداوله بين الناس فقط .

وتلك مزيةٌ واضحةُ البصمات في كتابِه عن الصافي .

-3 –

ومن النادر أنْ تجد شاعراً من الشعراء لم يبعث الى أصدقائه وأحبائه ببعض قوافيه، وقد يتعرض فيها الى إطلاعهم على ما يعانيه، ولا يقتصر على مجرد الاشارة الى ما يعتمل في نفسه من مشاعر ازاءهم .

وهكذا فعل (الصافي) مع ( البحري ) حيث كتب له يقول :

سُجِنتُ وكم في السجنِ مِثْلي مِنْ حُرِّ

يقابلنا السجّان بالنَظَرِ الشَزْرِ

وأشرفتُ مِنْ سجني على البحر قائلا

مِن البحرِ يأتينا الخلاصُ أو (البحري)

والصافي هنا يصف سجنه في بيروت على يد (القوات البريطانية التي نزلت في سوريا ولبنان خلال الحرب العالمية الثانية ملفقه له – اي للصافي – تُهمةَ النازية )

المصدر السابق / 137 -138

وما أجمل التورية الواردة في البيت الثاني مِنْ بيتيْ الصافي، وهو يشعر (البحري) بما يتوقعه منه من جهود يبذلها لخلاصه من سجنه، وهو توقع لا غرابةَ فيه للعلاقة الوثيقة بينهما .

-4-

وكأنّي بالدكتور العاتي وهو يصف براعة (البحري) وتأثيره الاعلاميّ الكبير على جمهور واسع من العرب في شتى اقطارهم ، يلّمح الى الحالة البائسة المعاصرة التي نشهدها في الكثير من المواقع الإعلامية ( المرئية والمسموعة والمكتوبة ) والتي تشي بغياب المهنية ، وما تتطلبه من مؤهلات ثقافية ولغوية وأدبيّة ولسانيّة، فضلاً عن الاحاطة بالتاريخ والجغرافية ومعرفة أقدار الرجال …

-5-

اننا اذ نثّمن الجهد المشكور الذي بذله الدكتور العاتي في دراسته المتميزة عن الشاعر الكبير الصافي النجفي ، نأمل أنْ يُوافيَنا بالمزيد من هذه البحوث الشيّقة والدراسات الغنية بمعطياتها المعرفية فضلاً عن إضاءاتها الأدبية والثقافية والاجتماعية .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة