متابعة الصباح الجديد:
صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الرواية الجديدة للرِّوائي العراقي لؤي حمزة عبَّاس، بعنوان: “حقائق الحياة الصغيرة”. وهي الرواية التي استهلَّها الكاتب بالتالي: «لا يُنصت الجرذ لحكاية الإنسان بتفاصيلها الحزينة غالباً والمفرحة أحياناً فحسب، بل يعيش فيها، ففي كلِّ حكاية جرذٌ ينطّ من سطر إلى سطر، ويقفز من معنى إلى معنى، لو ناديت الجرذان التي تحيا، منذ أول الخلق، في شعاب القصص والحكايات، لتبدّدت القصص وطارت الحكايات مثل دخان تنفخه الريح”.
يفتتح الكاتب لؤي حمزة عباس روايته، بهذا الاستهلال الذي يضعنا في المسافة التي تبدو مزهوَّةً بالفانتازيا، لكنَّها تنبشُ في الحقائق الصغيرة لحياةِ العراقي، وتمضي عبر مسالك مُعتمة وأخرى قليلة الضوء؛ لتكشفَ ما يتوارى خلف أحداثٍ ظاهرُها يبدو هو الآخر عاديَّاً. وبين العاديِّ والخياليِّ نتعرَّف، سطراً وراء سطرٍ، على حكاية البطل الصغير؛ شابٌّ في الثامنة عشرة من عمره، بداية ثمانينيات القرن الماضي، في مدينة البصرة، حيثُ تدورُ طاحونة الأيام، ومعها تدورُ القصصُ التي نعيشُها مع بطلنا صديق الجرذان، بين المدرسة والبيت والشارع، بين اختلاط المشاعر الطَّرِّية وأصوات القنابل البعيدة، بين جرذانه والكائنات الأسطوريَّة التي يقرأ حكاياتها على الجدَّة، وبين الوجوه وملامحها المنهكة من آثار الحرب وظلالها.
«حقائق الحياة الصغيرة»، وإن كانت تحتاجُ إلى حقيقةٍ أولى، فهي تلك التي تكمُنُ في أوَّل جملةٍ من الرِّواية: “يُكلِّم الجرذان منذ تعلَّم الكلام، فتسمعُ منه وتردُّ عليه”.
أخيراً جاء الكتاب في 120 صفحة من القطع الوسط.
من الكتاب:
تعال أيّها الجرذ، تناديك رائحة الجبن، اقترب ولا تخش شيئاً، لا تكن جرذاً جباناً وتقدم، سأسميك جرذ الحرب، الحرب الجديدة التي بدأت هناك، سيكون اسماً نادراً بين أسمائك، اسماً لم يذكره أحد من قبل ولم تدوّنه كتب القوارض أو تحفل به وثائق التاريخ الطبيعي، بمقدوري أن أدوّنه تحت صورتك المطبوعة في صفحة منفردة إلى جانب صفحات تضم صور جرذان كثيرة بأسماء تميّزها بحسب ألوانها وأشكالها، أو بحسب حجومها أو سلوكها أو أماكن معيشتها، فوق الأرض أو تحتها، أسماء معروفة طالما تناقلها البشر. سيكون جرذ الحرب الاسم الذي أناديك به من بين سائر الجرذان.
إنه يتخيل جندياً يفتح عينيه، يرفع رأسه مواجهاً الجرذ ثم يحدّثه بلهفة:
– أنت ظلي وصورتي، ملاكي الحارس ومرآتي