(الشارع الالكتروني) مصطلح جديد يفترض أن يضاف إلى قاموس السياسة والإعلام فقد بات نبض المجتمع يقاس عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل (فيس بوك) و(تويتر) و(يوتيوب) وغيرها من المواقع الإلكترونية،وهذا ما جعل تغريدات(الشارع الإلكتروني) وأصواته وصوره لا تقل ضجيجاً عن زحام الشارع الحقيقي،بل قد تتقدم عليه وتسبقه وتمهد لحركته وتعمل على توجيهه وتحشيده وتحريضه وتغطيته، وهو ما شهدناه منذ نحو عام عند اندلاع الاحتجاجات الشبابية وما رافقها وما تلاها من أحداث ساخنة وتداعيات خطيرة.
رصد منشورات مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الجهات الحكومية،والتفاعل مع ظواهرها والاستجابة السريعة لمعالجتها يعد اليوم من متطلبات النجاح الإداري، فهناك حالة من الطوفان الجماهيري في استخدام مواقع التواصل الإلكترونية، وقد أدت الظروف السياسية والاقتصادية والوبائية إلى زيادة عدد المستخدمين الإلكترونيين،وراحت نشاطاتهم ومواقفهم وشكاواهم تعكس صورة الوطن وتعبر عن معاناة الناس، في ظل ظاهرة إعلامية،غير مسبوقة، مفتوحة أمام الجميع، بدون استثناء،وأن الرقيب فيها ضمير الكاتب نفسه، فقد أصبحت تدوينات الناس أكثر تأثيراً في مخاطبة الحاكم وإيصال أصوات المظلومين،وباتت تلك الكتابات، التي تفتقد أحياناً لحرفية الفن الصحفي،وتفتقر للسلامة اللغوية والصياغة السليمة، أسرع وصولاً إلى الحق والحقيقة، من الكثير من المؤسسات التقليدية الحكومية والأهلية الضخمة،التي ضاع خطابها الرتيب وسط طبول السياسة، وضجيج القدح والمدح، في حفلات التسقيط والتضليل المستمر!
لعل ما يلفت النظر،في تلك الكتابات الإلكترونية الشعبية أن الكثير منها يدور حول قضايا مهمة وعاجلة، لم يجد أصحابها وسيلة لعرضها على بعض المسئولين سوى اللجوء إلى المواقع الإكترونية،وبالأخص الفيس بوك، من أجل الوصول إلى أنظار أولئك المسئولين المغلقة أبوابهم في أغلب الاحيان!
الاتصال هو عصب النظام السياسي، فإذا كان نشر قضايا الناس في وسائل الإعلام الجديدة،وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، قد أصبح ظاهرة اتصالية مسيطرة،،فإن مدى الاستجابة من قبل المسؤولين وكيفية تعاملهم مع القضايا الشخصية والعامة المنشورة، تظل هي المشكلة الحقيقية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم!
هناك مسؤول مخلص شريف منفتح ومتفاعل مع الناس، بصورة مباشرة، أو قد يستعين بالمكتب الإعلامي لكي يعلم ما يدور في دائرته وحولها وخارجها،ومن ثم يحرص على متابعة وسائل النشر التقليدية والإكترونية، ومعالجة مشاكل الناس وتخفيف معاناتهم!
نموذج آخر مختلف تماماً من المسؤولين الذين وضعتهم المحاصصة اللعينة في مناصب أكبر من حجمهم بكثير،فلوثهم الفساد، وأصابهم الجمود الإداري، فأصبحوا يعانون من تيبس المشاعر الإنسانية، لذا نجدهم يتخندقون في مكاتبهم، ويتمترسون وراء بوابات محكمة،خشية اجتياح عواصف الشارع لكراسيهم المتداعية!
أغلب أزمات السياسة تعود إلى فشل في الاتصال والتواصل،وبخاصة في ظل هيمنة الشارع الإلكتروني الذي لم يقدر خطورته الكثير من السياسيين وتجاهلوا ضجيجه فأصبحوا خارج التغطية، وهناك من عرف اللعبة منذ البداية وركب موجات الطوفان!
د. محمد فلحي