علوان السلمان
السرد القصصي، رؤية فكرية وتقنية اسلوبية متجاوزة للاستطرادات ومسايرة لحركة العصر بمتغيراته الحضارية والمعرفية يحققها فكر واع لمفرداته وبناء مشاهده المنبثقة من خياله ورؤاه الفكرية الملاحقة للحظة الحدثية والكشف عن دلالاتها عبر لغة متفجرة مكتظة بألفاظها الموحية الخالقة لصورها المستفزة للذات الجمعي الآخر لتحقيق المتعة الجمالية والمنفعة الفكرية من خلال الاسئلة التي تطرحها.
والمجموعة القصصية(انعكاسات امرأة) بنصوصها التي شكلت(المرأة) تيمتها ومحورها الذي تدور حول ظلالها الاحداث مع انتقالات زمنية متداخلة نسجت عوالمها النصية انامل منتجتها القاصة ايناس البدران.. واسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بنشرها وانتشارها/2007..لتميزها ببعدها التيمي والحكائي واتسامها بسمات دلالية انحصرت في الاختزال النوعي للحياة والايجاز الجملي مع ابتعاد عن الاستطراد الوصفي عبر الفاظ رامزة تحاكي الواقع من جهة والغرائبي من جهة اخرى اضافة الى انها تعبر عن التناقضات المجتمعية ابتداء من الايقونة العنوانية التي (تؤسس غواية النص)على حد تعبير كونغور المستلة من العنوانات الفرعية الداخلية بفونيميها الدالين على المتن النصي المؤطر بموشور انثوي يعكس الحالة السايكولوجية والجمالية والوظيفة التشويقية لواقع المرأة على امتداد نصوص المجموعة باستثناء نص (الجدار)..اضافة الى انه يحمل دلالات نفسية وفكرية شكلت علامات سيميائية دالة على استقطابه لمعاني النص..
(انتفض المنيه زاعقا بصوته المسلوخ معلنا بدء يوم جديد كعهده كل سادسة صباحية ليمعن في ايقاظها من رائحة طارئة أبت الا تزورها الا قبيل الفجر..تلمست موضعه على المنضدة قبل ان تخرسه بلطمة من كفها لتفتح جفنين مثقلتين بالنعاس على ذات الاشكال الهندسية التي تتقاسم الجدار >اشاحت بوجهها وهي تتمتم في سرها:لم يحرص الناس على التقاط صور غاية في التأنق لمناسبة يصعب التنبؤ بما يليها..ليقارنوا من خلالها بين الخيال والواقع لم يروا ما آل اليه حالهم بعد سنين؟..)ص5..
فالنص يسير في خط مستقيم متنام دون ارتدادات زمنية استرجاعية وهو يخوض في غمار الذات الانثوية المثقلة بهمومها الذاتية والمجتمعية نتيجة التكرار الروتيني للزمن واللحظات اليومية التي يكشف عنها المنبه..فضلا عن استثمار المنتجة(القاصة) المكان مسرحا للأحداث والكشف عن الرؤية السردية بمنطق جمالي من خلال المشهد ومنطق الحياة…كونها توظف الموجودات بطريقة موحية اسهمت في تطوير البناء الدرامي..والجزئيات للكشف عن دواخل الشخصية وتطوير الحدث مع التركيز على الجوانب المعتمة التي تعتري الشخصية..لخلق نص يحمل دلالات معبرة عما يختلج الذات القلقة التي تتصارع والجدب الروحي..
( سحبتني الفتاة برفق لرؤية الغروب. كان مشهدا ساحرا اذ اكتست الكرة الارجوانية تدريجيا بغلالة رمادية شفيفة وبهتت المرئيات كأنما غلفتها الفة موحشة. سألت مبهورا: ما هذا؟ اجابتني: انهم يخففون الطاقة المغذية للإضاءة علامة اقتراب الليل وانتهاء فترة العمل وادخارا للطاقة ايضا..
ـ يا للهول ماذا تقولين؟ هل تقصدين ان شمسكم هذه ليست شمسا؟ قالت بأسى:لقد انطفأت شمسنا منذ أمد بعيد ونحن بحاجة الى معجزة لتعيد لها انفاس الحياة. لذا استعضنا عنها بهذه الشمس الصناعية ولكن ألم تعلم..ألم تأخذ احتياطاتك فيما يتعلق بالطاقة الشمسية لمركبتك؟
ـ وأنى لي ان اعرف وانا من كوكب لا تغيب عنه الشمس..) ص47ـ ص48..
فالنص ينتمي الى الغرائبية او السرد العجائبي الذي يتضمن رؤية تتجلى في الحوار الثنائي ما بين الشخصية الارضية وفتاة كوكب الاحلام عبر درامية تفصح عن اوضاع نفسية ومتغيرات كونية اذ انه يحقق الصلة العلائقية بين الذات بوصفها كينونة تشغل حيزا في الفراغ ولها فعل وبين الذهنية بوصفها كينونة عقلية توليدية متصلة بالخيال..
أما نص(الجدار) الذي انحرف فيه مسار السرد عن تيمة(المرأة) وجنوحه صوب الآخر(الرجل)..مع هيمنة السارد العليم الذي يجعل من الزنزانة(وعاؤه الذي يحتويه)..فضلا عن انه يكشف عن ولادة الحياة وانبعاثها بانبثاق نبتة خضراء من بين شقوق الحجر..(نظر اليها مليا ليتأكد انها كانت عشبة خضراء غضة شقت لها بصمت بصيصا في قلب الحجر القاسي الأصم ومدت رأسها بفضول جريء وصبر عجيب لتذكره بكنه الحياة) ص30.. باعتماد سردية تصويرية موثقة للوجود عبر التداعيات التي توظفها المنتجة بقصدية معالجة الواقع بكل ابعاده النفسية والاجتماعية بتسجيل المشهد الحياتي وتحويله الى باعث للأسئلة..
وبذلك قدمت القاصة نصوصا تنطلق من لحظة وعي معبرة عن رؤية انسانية تقوم على التركيز الدلالي بألفاظ تثير التأويلات مع اتكائها على الواقعية منهجا والحلمية والغرائبية تشويقا.