سلام مكي
لم يكن فوزي كريم مجرد شاعر عابر، انتجته الشعرية العراقية الحديثة، ضمن جيل استثنائي، استطاع أن يهدم ويبني في ذات الوقت. فوزي، هو مشروع نقدي وشعري متكامل، قرر ومنذ الأيام الأول لمسيرته الأدبية والثقافية أن يحمل أحجارا ويرمي بها في برك الشعر العربي والعراقي. فوزي الذي حمل شعلة الحرية والتحرر وقرر أن يدخل بها عتمة الأفكار والعقائد والموجهات العقلية التي تسيطر على فكر وعقل الشاعر وتحدد لها النسق الذي يكتب به. وبالتالي، سوف يتم انتاج شاعر محدد بإطار ونسق معين، وهو ما يعني قتل ووأد الروح الشعرية التي تسكن في أعماق ذلك الشاعر. جناية فوزي كريم، أنه آمن بالشعر والانسان، وآمن بأن ذلك الانسان لا سبيل له سوى حريته، في مواجهة الانغلاق الفكري والروحي الذي تسببه الأفكار والتوجهات التي تسعى لفرض هيمنتها على الأذهان. جناية فوزي كريم، أنه ترك باب ذاته مفتوحة للمراجعة وجلد الذات، في وقت، كان الايمان بالأفكار السائدة والأيدولوجيات السائدة والاخلاص لها هو الشغل الشاغل لأبناء جيله. جناية فوزي كريم، أنه آمن بأن الشعر والايمان بمعتقد لا يمكن أن يكونا معا، فلابد للشاعر كي يكون شاعرا حقيقيا، أن يؤمن بالشعر وحده. فالشعر، كما يقول فوزي متاهة، وحيرة. ولا توجد منطقة محددة للشاعر يمكنه التوقف عندها، لا توجد خطوط ملونة للشاعر الذي يغامر بكتابة الشعر. وهذا لا يمكن أن يكون إلا بوجود ذات شاعرة حرة، لا تملكها عقيدة ما، أو توجه معين، يقول للشاعر، عندما يصل إلى منطقة تتقاطع مع تلك العقيدة: قف! أتهم فوزي كريم بأنه شاعر محافظ، وتلك التهمة جاءت له نتيجة لمواقفه النقدية ولوقوفه كما يقول ضد الأهواء التي عبثت بجيله. تلك الأهواء التي كبلت الشعر بالعنصر الخارجي، بالمحركات الخارجية التي سمح لها الشاعر بالهيمنة على ملكاته الشعرية، وبالتالي صنعت منه شاعرا يقترب من الشكل أكثر من اقترابه من الباطن. فوزي كريم، صاحب مشروع نقدي فريد، هذا المشروع بقي هاجس فوزي منذ كتاب ” تهافت الستينيين” وحتى كتاب ” شاعر الراية وشاعر المتاهة” الذي صدر قبل وفاته بمدة قليلة. كان فوزي وفيا لفكرته التي ترى أن الشعر يجب أن يكون قريبا من الانسان، معبرا عن همومه، وأن تكون أعماق الشاعر وباطنه الخفي، هو النبع الذي يجري منه الشعر، وليس النبع الخارجي الذي يكون الشاعر فيه مرددا لصدى قادم من فكرة أو عقيدة ما، والتي يسعى الشاعر رغم أن ذلك الشعر، خال من أية لمسة روحية، يسعى الشاعر إلى تزيين وتزويق الألفاظ وإخراجها إلى العالم الخارجي الذي جاءت منه بصورة لا تختلف كثيرا عن حالتها الأولى، سوى لمسات خاصة بالشاعر. إن فوزي كريم، ظاهرة نقدية وشعرية، خرجت من حرم ظروف غير طبيعية، ظروف كانت الأفكار والعقائد هي السائدة والمهيمنة، تجلب الشاعر إليها بالترغيب والترهيب، لكن فوزي كان صادقا مع انسانيته وشعره، فرحل إلى العالم الآخر، دون أن يسمح للأفكار أن تنال من انسانيته.