-1-
العزوف عن المطالعة ينذر بمصير قاتم حيث ان الانسان –ومهما اتسعت آفاق ثقافتِهِ – يبقى بحاجة الى المتابعة والتواصل، مع المستجدات من ناحية ، ومع كتب الادب والتاريخ وسِيَرِ الرجال من ناحية اخرى ، هذا فضلاً عن القراءات التي تغذّي العقل والقلب والروح كما في قراءة القرآن والنصوص المقدّسة ..
-2-
وقد يخجل القارئ من نفسه حين يقرأ بعض الأخبار ..!!
قد يجد نفسه متخلفا عمن لا يقاس به معرفةً وثقافة،يتفوق عليه بما ملك من رقة وأريحية،
وسأكتفي بسرد مثال واحد يغني عن استعراض المزيد من الأمثلة في هذه المقالة الوجيزة
قالوا :
إنّ (عبد الله بن جعفر) خرج الى ضَيْعَةٍ له فنزل على نخيلِ قومٍ وفيها غلام أسود يعمل فيها ،
اذ أتى الغلام بغدائه ..
وغداؤه ثلاثةُ أقراص من الخبز ،
فرمى بقرص منها الى كلب هناك فأكَلَهُ .
ثم رمى اليه الثاني فأكله ، والثالث فأكله ،
وعبد الله بن جعفر ينظر ، فقال :
يا غلام :
كم قُوتُكَ كلَّ يوم ؟
قال :
ما رأيتَ
قال :
فلم آثرتَ هذا الكلب ؟
فقال :
انّ هذه الارض ليستْ بأرضِ كلابٍ وانّه جاء مِنْ مسافة بعيدة جائعاً ،
فكرهتُ رَدَّهُ .
فقال له عبد الله :
فما أنتَ صانعٌ اليوم ؟
قال :
أطوي يومي هذا ،
فقال عبد الله بن جعفر لأصحابه :
أُلامُ على السخاء وهذا أسخى مني ؟
ثم اشترى الغلامَ وأعتَقَه ،
واشترى الحائط ( البستان )
وما فيه ،
ووهب ذلك له .
وهنا نلاحظ :
1 – ان عناية الغلام بالكلب الجائع كانت كبيرة للغاية .
واذا كانت عنايتهُ بالحيوان على مثل هذه الدرجة العالية فكيف تكون عنايتُه بأخيه الانسان ؟
ان هذا الغلام يملك من الحس المُرْهَف ومن الطِيبة ما جعله مُعلِّماً للاخلاق .!!
2 – لم يكتف عبد الله بن جعفر بابداء الشكر لما صنعه الغلام ، بل بادر الى تكريمه بأعلى الصيغ الممكنة ، وتحوّل هذا الغلام من خندق (العبودية) الى خندق ( الحرية) ، ثم اصبح مالكاً للبستان الذي كان يعمل فيه اجيراً
وهكذا يجب أنْ يكافئ المحسنون في كل المواقع .
3 – ان عبد الله بن جعفر – وهو من أجواد العرب المشاهير – اعتبر الغلام اسخى منه ، لأنه انفق كل ما لديه على الكلب الجائع .
أقول :
يبخل الباخلون منا باليسير مما يملكون على ذوي الحاجات من الفقراء والمستضعفين والبائسين بينما يجود المؤثرون بكل ما لديهم دون تردد .
أليست هذه من المفارقات التي تُخجل الانسان من نفسه،حين يُقارن بين ما صنعه الغلام وبين ما يصنعه هو من ايثار للذات وقلةِ اكتراثٍ بالآخرين ؟
4 – اننا اليوم – ولا سيما بعد الاجراءات التي فرضها وباء (كورونا) من حظر للتجوال ومنع لمزاولة الأعمال اللازمة للحصول على المال الكافي لاشباع الحد الادنيمن حاجات العوائل الفقيرة -مدعوون جميعاً – وبلا إبطاء الى الاسهام في دفع غوائل الحاجة عن شريحة واسعة من العوائل الفقيرة المتعففة .
ولن تضيع عند الله ذرة من البر الاجتماعي بالمحرومين والمكروبين والضعفاء .
نسأله تعالى ان يدفع عن العراق الحبيب وأهله شر البلاء والوباء وان يوفقنا واياكم للعمل الصالح والبر الاجتماعي انه سميع الدعاء .
حسين الصدر