قائمة شيندلر Schindler’s List وأكذوبة سبيلبيرج حول أوسكار شيندلر

خالد ربيع السيد

المخرج اليهودي ستيفن سبيلبيرج Steven Spielberg من أشهر مخرجي هوليوود، ونظرة سريعة على أعماله تحدد موقعه بين كبار مخرجي العصر، فهو صاحب ثلاثية حديقة الديناصورات وسلسلة انديانا جونز، وقبلها “الفك المفترس” و”إي تي” وأعمال كثيرة كفلت له هذه المكانة، كما انه حصل أكثر من مرة على جائزة الأوسكار بالإضافة إلى عشرات الجوائز العالمية. وما يهم هنا إدراك أن سبيلبيرج وظف عبقريته السينيمائيه لخدمة قضايا الصهيونية وبالتالي فهو يحاول خدمة توجهاته العقائدية والسياسية من خلال فنه.

أرشيف الهولوكوست

أذكر تماماً أنه أعلن ذات مرة انه بصدد استكمال مشروعه الضخم الذي بدأه في بداية التسعينيات وهو مشروع إنشاء أرشيف ضخم يضم شهادات ووثائق عن الهولوكوست ليس في فترة النازية فقط بل في أي فترة وانه أيضا بصدد تطويره ليصبح مؤسسة وأطلق عليها (شواه) كما أعلن انه استكمل المرحلة الأولى وتتكون من أرشيف مرئي للناجين من المحرقة وشهادات وأفلام تسجيلية ووثائقية قصيرة منذ الأربعينيات وحتى الآن وتضم حوالي 52000 شريط فيديو وهذا يوضح مدى أهمية توثيق النسخة اليهودية من المحرقة لديه.

ولم يكن هذا الخبر الذي سيصبح محل مناقشة لمدة طويلة غريباً على سبيلبيرج فهو في عام 1993م أنتج واخرج فيلمه الشهير «قائمة شيندلر» والذي يعتبر علامة من علامات السينما الموجهة سياسياً من اللوبي؛ ويعتبره اليهود من أفضل ما أنتج عنهم. وقد تذكرته هذه الأيام بعد حادثة قتل “جورج فلويد” الأمريكي من أصل أقريقي على يد أو تحت ركبة “ديرك شوفين” الشرطي المنتمي للحزب الديمقراطي الذي يؤيده سبيلبيرج ويدعمه ويدعمونه.

فيلم قائمة شيندلر مأخوذ عن كتاب بنفس الإسم للمؤلف الأمريكي اليهودي توماس كينالي. وهو لا يصنف كتاباً تاريخياً وثائقياً، ولا يصنف كعمل روائي أدبي رفيع، لكنه لفت نظر كاتب السيناريو ستيفن زايلين، وهو يهودي من طائفة ساش، وأعجب سبيلبيرج بالسيناريو الذي أعده زايلين، فقرر إخراجه للسينما .

أحداث واقعية

 الفيلم يتخذ الشكل الوثائقي، ويروي قصة يؤكد مؤلفها أنها أحداث واقعية، ويدعم ذلك بقائمة مكتوبة على الآلة الكاتبة كوثيقة منشورة داخل الكتاب، والقصة تقول ان رجل أعمال ألماني مسيحي نازي يدعى “أوسكار شيندلر” يحب المقامرة والاستثمار، وبعد اجتياح ألمانيا لبولندا (والتي كانت تضم 57% من يهود أوروبا) في الحرب العالمية الثانية يقرر شيندلر الاستثمار في بولندا مثل معظم رجال الأعمال في وقته وبعد أن يرى الفظائع التي يقوم بها الألمان لإبادة اليهود يقوم بأخذ كل ما يستطيع من اليهود الى معسكرات للإباده على أساس انه سوف يقوم بتسخيرهم للعمل عنده وكان ذلك في الأساس لحمايتهم من الإبادة والتعذيب؛ أي أن شفقة هذا المقامر الذي يعشق المال تتحرك فجأة من فظاعة ما يرتكبه الألمان تجاه اليهود.

أكذوبة أوسكار شيندلر

سوف نتسائل هنا، هل كتاب توماس كينالي يعتبر وثيقة تاريخية تصلح لأن تكون أساساً في فيلم يكاد يكون تاريخياً وثائقياً روائياً (على اعتبار ان شيندلر شخصيه حقيقية)؟؛ والإجابة هي: بالطبع الكتاب لا يشكل أي قيمة وثائقية تاريخية لان العديد من المفكرين وكتاب التاريخ الخاص بالحرب العالمية الثانية يعتبرون أوسكار شيندلر شخصية مشكوك بوجودها من الأساس، ويقول ناعوم تشومسكي، احد المنظرين في صراع الحضارات (انه من السهل اختراع شخصية مثل شخصية شيندلر وقائمته المزعومة فنحن اذا تخيلنا ان كل هذا القهر كان صحيحاً فمن السهل ان نتخيل شخصاً او أكثر تأخذهم الشفقة فينضموا لصفوف الإنقاذ) هذا كلام تشومسكي في كتابه “الغزو مستمر” ترجمة مي النبهان 1999م.

هناك من يرى أن أوسكار شيندلر ليس سوى تاجر يعشق المال والنساء، ووجد أنه بتوظيف اليهود في مصنعه تحت غطاء أنه ينقذهم سيضمن له تشغيلهم بتكلفة قليلة، حتى أن رواتبهم ومستحقاتهم المالية كانت ضئيلة، لكن طابت له البروباغندا القائلة بأنه المنقذ لنحو 1100 يهودي.

إذن ما مدى تدخل السينما في كتاب المؤلف الأمريكي اليهودي توماس كينالي وتحويله إلى فيلم يؤثر في الملايين؟ وهو كما أسلفت قبل سطور بأنه لا يصنف ككتاب تاريخي وثائقي ولا يصنف كعمل روائي رصين.

إنها كتابة عابرة تخيلية درامية لفتت نظر كاتب السيناريو ستيفن زايلبن، وجعلته يفكر في استثمار القصة المخترعة وتحويلها الى سيناريو وعرضه على سبيلبيرج الذي لامس هواه بالفعل، ومن ثم قرر إخراجه للسينما، من أجل حفنة ملايين من الدولارات لكل من توماس كينالي وستيفن زايلين وستيفن سبيلبيرج.

وبالطبع لم تنحصر الفوائد في ملايين الدولارات التي جنوها، بل أنهم جنوا التعاطف والتمجيد والاضافة المفبركة للتاريخ والتي منحتهم الكثير من التخليد.

يحاول سبيلبيرج ان يدفع بالمشاهد لفيلمه للتعاطف مع هؤلاء اليهود العزّل من السلاح المروّعين والواقعين تحت تأثير الخوف من الإبادة (بغض النظر عن كونهم أطفالاً أو نساءً أو شيوخاً) وهنا تكمن خطورة السينما كأداة تأثيرية؛ وليس ابلغ من المشهد الأول من الفيلم الذي يمثل صلاة لأسرة يهودية (حسيديه) يقودها الأب ويكون ذلك على ضوء شمعة ثم فجأة تنطفئ الشمعة (أي براءة يخلقها سبيلبيرج في هذا المشهد).

وبعد كل ذلك يقول المؤرخ الألماني الراحل الكسندر روستـو في كتابه الرزين “الحرية والهيمنة” (1980)  “ان النازيين، مثل أقرانهم من الفاشيين والامبرياليين، يحاولون إنكار ان ضحاياهم كانوا بشراً “. الفيلم يكشف زيف هذه المقولة، ليس من وجهة نظر أوسكار شيندلر وجمهوره وحسب، بل يمكن اكتشاف ذلك في عيون قائد معسكر التعذيب السادي “آمون غوت” ومحاولاته الواهية لإخفاء الحقيقة.

المسيح اليهودي والتعاطف المبتذل

ولكن سبيلبيرج مثله مثل أي يهودي يؤمن بفكرة (المشيحانيه) والتي يؤمن بها 89 % من يهود العالم والتي تتلخص في ان هناك مسيحاً سوف يبعث لليهود يجعل منهم ملوك العالم وتصبح كل الأجناس عبيدا لهم والدليل على إيمانه بهذه الفكرة هو المشهد الأخير والذي يظهر فيه اليهود يضعون الحجارة فوق قبر اوسكار شيندلر والفكرة الرئيسية في هذا المشهد هي تكريس إستجداء التعاطف  ودلالة المشهد اقرب لأسلوبية سبيلبيرج في توظيفه للسنتمنتالية أو العاطفية المبتذلة، “وهذه دلالة واضحة انهم سوف يمتلكون الأرض ومن عليها وسيكونون هم أسياد العالم” ( تفسير:عدي الصحاف)، حسب نبوأتهم خصوصاً عند مقارنة المشهد بمشهد النهاية في فيلم (انقاذ الجندي رايان) حيث يتكرر ذات التوظيف .

في فيلم تسجيلي أنتجه سبيلبرج ليكون مرافقاً لـ «شيندلر»، يطالب أن لا نسمح بعد اليوم بحدوث أعمال مروعة من هذا النوع، ويعرض صوراً لرواندا والبوسنة، لكن لا ترد أية إشارة لفلسطين، المفترض أن يتذكرها أوتوماتيكياً من يتحدث عن اليهود. سبيلبرج سيعود في فيلمه «ميونيخ» 2005 ليدعي تقديم رؤية متوازنة للصراع، دون أن يعطي لمحرقة الشعب الفلسطيني (النكبة) الحيز الذي تستحقه.

هكذا وبدقة يتم تطويع السينما لخدمة قضية خطيرة مثل الهولوكوست والتي يقوم الألمان بدفع ما يزيد على30 مليار دولار سنويا كتعويضات لليهود على اعتبار أنهم تضرروا معنويا وماديا من الحكم النازي.

أبطال الفيلم وجوائز وترشيحات

يقوم بدور شيندلر الممثل الانجليزي الأيرلندي “ليم نيسون” Liam Neeson والذي أعطى للشخصية من خلال أدائه أبعادا إنسانية كان يحتاجها سبيلبيرج للتأثير على مشاهدي الفيلم.

أبدع ليام نيسون  في دور ” أوسكار شندلر” وتم ترشيحه لأوسكار أفضل ممثل رئيسي عن دوره في الفيلم. أما رالف ناثانييل فاينس Ralph Nathaniel Fiennes الذي قام بدور الضابط النازى آمون غُوث مدير معسكر “بلاسوف”، أحد معسكرات الإبادة في بولندا، فقد تم ترشيحه لجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عن هذا الفيلم. بالمقابل فاز بعدة جوائز عن الفيلم منها جائزة NYFCC  لأفضل ممثل مساعد، جوائز NSFC, DFWFCA وCFCA  لأفضل ممثل مساعد، جائزة ALFS لممثل السنة البريطاني، بالإضافة لجائزة البافتا (جائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام). بن كينغسلي Ben Kingsley في دور اليهودي إسحاق ستيرن، تم ترشيحه لجائزة البافتا عن هذا الدور.

فيلم عظيم فنياً بموسيقى فاترة

ولا ننسى التعجب من الموسيقى الفاترة في الفيلم والتي لا ملامح تأثيرية لها ولا تتناسق مع القصة والشخصيات والأحداث، من تأليف جون تاونر ويليامز John William، وهو الأبرز في تأليف موسيقى الافلام من هذا النوع… هل ننسى موسيقى فيلم دكتور زيفاجو Dottor Živago، لـ موريس جار، أو موسيقى الأب الروحي Goodfather، لـ نينو روتا أو موسيقى فيلم زوربا Zorba لـ ميكيس ثيودوراكيس أو الموهيغان الأخير The Last of the Mohicans لـتريفور جونز، وحتى الفك المفترس Jaws  لـ جون ويليامز(نفسه)، والمصارع  Gladiator لـ هانز زيمر، و تايتنك Titanic لـ جيمس هورنر، وموسيقى أفلام الاسباغيتي الغربي لـ اينو موريكون والتانجو الأخيرة في باريس Last Tango In Paris لـ غاتو باربييري، وقلب شجاع  Braveheart لـ جيمس هورنر، وغيرها…

 تلك موسيقات لا تنسى؛ ولكن موسيقى قائمة شيندلر لا تقول شيئاً وبالتالي ليس لها وجود في الذاكرة، وهذه مفارقة تقع فيها السينما العالمية أحياناً، رغم حصولها على جائزة أوسكارأفضل موسيقى، ولا أدري لماذا؟… هل هو تمجيد إسم جون ويليامز؟ ربما! وقد يستغرب من يقرأ هذا الرأي، ولكني أدعو لمشاهدة الفيلم وتتبع الموسيقى عديمة الروح في الفيلم، ثم الحكم بنزاهة الفن غير المنحاز. (ربما أستثني الموسيقى التي صاحبت مشاهد حشد النساء وغسيلهن استعداداً للحرق)

ستيفن سبيلبرج والسياسية

يعرف عن سبيلبرغ دعمه للحزب الديمقراطي الأميركي، وتربطه صداقة مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وقد قام بدعم هيلاري كلينتون في حملتها الرئاسية، ضد باراك أوباما.

انتقد عام 2008 حكومة السودان وحملها مسؤولية أحداث دارفور.

صرّح بأنه فخور بيهوديته ويدعم إسرائيل والصهيونية، ويعرف بدعمه لزواج المثليين.

يشار الى أن تسريبات ويكيليكس أظهرت قراراً للجنة المقاطعة العربية عام 2007 ضم 14 بلدا عربياً، يقضي بمقاطعة مؤسسة رايتيوس بيرسون العائدة لـ ستيفن سبيلبرغ من خلال منع استيراد وعرض أفلامه، وذلك على خلفية التبرع بمليون دولار لإسرائيل خلال حربها على لبنان عام 2006.

يبقى أن نقول إن الفيلم حصل على 45 جائزة عالمية منهم 7 اوسكار ورشح لـ50 جائزة أخرى. والسؤال: لماذا كل هذا الاحتفاء؟ عليك أن تجيب عزيزي القاريء.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة