فوزي كريم
العزلةُ وقرينُها
1
أقترحُ العزلةَ تسكنُها،
في منأىً عن أهوائكْ،
والموتَ تعانقُه طيَّ ردائكْ
مُحترساً من عينِ رقيبٍ
لا يُحسن فهمَ أدائكْ.
أهواءُ المرء وليدةُ مجرىً لا يهدأْ،
والعزلةُ ماءُ غديرْ،
يتآخى في زُرقته الأحسنُ والأردأْ،
والخيّرُ والشريرْ
2
لو أنَّ الموتَ اختلسَ طريقاً
في السرِّ اليكْ،
سيصيرُ عواءً أخرسَ، أنياباً ومخالبْ.
ولكيْ لا يُصبحَ بينكما مغلوبٌ أو غالبْ،
شرّع لرسولِ القدرِ ذراعيكْ
3
ما أجملَ ذكرى من أحببتَ، إذا ما ضعتَ بغاباتِ الذكرى،
من دونِ دليلْ
ما أوحشَ هذا الجسدَ الضيِّقَ بالمِحنِ الكبرى،
أو أرحبَ موتَكَ حين يصيرُ مجرَّتكَ الأخرى،
في متَّسعٍ لا يتناهى!
4
العزلةُ ماءُ غديرْ،
يتأملُ فيها النرجسُ فتنتَه وزوالَ شبابه.
والموتُ مناجاةٌ للجسد،ِ تهدْهدُه
وتُهوّنُ من أتعابهَ.
1996/11/14
أربعة تنويعاتٍ وخاتمة
فليقطعْ كلٌّ منا دربا،
ويلاشي وقعَ الأقدامْ
حتى لا يتركَ أثراً فتلاحقُه الأيامْ.
لكنْ من صحِبَ النفسَ تزاحمُه الآلامْ!
ولذا فأنا حذِرٌ من صحبةِ نفسي.
أدمنتُ قناعاً منذ سنينْ،
آلفتُ الأضدادَ بتكويني،
وخرجتُ.
لا أُقرَنُ إلا بالسحبِ تشتّتها الريحْ.
أو بكثيبِ الرمل،
أو بالقديس على حافةِ أهوائه،
أو باللاشيء، كشيء في ذاته.
أكتشفُ النفسَ، إذا جرّدتُ النفسَ من التاريخ،
وبنيتُ فناراً في ليلٍ لا فجرَ له
وأقمتُ به،
أنتظرُ، بغير عزاءٍ، مالا يأتي.
قدْ يقطعُ أحدٌ ما درباً وحده
ويلاشي وقعَ الأقدامْ،
حتى لا يتركَ أثراً فتلاحقه الأيامْ.
لكن في منتصفِ طريقِ اللاعودة
سيواجه شكلاً آخرَ للانسانْ
هو نصفُ كيانه،
وهناك سيتّحدان، ويكتملانْ.
1995/9/26
شاعر الغياب
إنه شاعرُ الغيابِ
ومأوى الصمتِ،
والموتِ،
والنداءِ الغريبِ.
يتحاشى فداحةَ الخَطراتِ الجوفِ في رأسه برأسٍ عصيبِ.
ويرى الليلَ طيّةً في عباءته السوداءَ،
والأفقَ سحنةَ المستريبِ.
وبه ما بدورةِ الفُلكِ من لحنٍ خفيّ،
ومن غناءٍ طريبِ.
بدويٌّ يعاشرُ الوحشَ،
إنْ مدَّ ذراعاً حطَّ العُقابُ،
وإن أصغى تداعَتْ في أذنه لغةُ الأسلاف!
يرثُ الريحَ والوساوسَ تأتيه خفافاً، من كلَّ فجٍّ قريبِ.
ويرى الشمسَ مثلَ ثقبٍ يهِلُّ الرملُ منه
على الخلاءِ الرحيبِ.
يتداعى أمامه الزمنُ الرخوُ: كثيباً مولّداً من كثيبِ.
إنه شاعرُ المهاوي،
ولا يأنسُ إلا بجذوةٍ في المغيبِ.
1998/5/25
*عن مجلة الجديد