الومض الشعري النابض “بمحاذاة الغواية”

علوان السلمان                                                

ليوسف شواني..                

         ما زلت اكتب عن الحب

                       فانا يا دعاة الحرب

                          لا الفظ الراء من طفولة نطقي

 وقصيدة الصمت الايجابي (القصيرة جدا) لحظة غير قابلة للتأجيل. نص متجاوزة للقوالب الجاهزة ..وليدة عصر المعلوماتية واشكالية التلقي التي نجمت عن العصر الذي وسم بعصر السرعة المتسمة بوحدة الموضوع وكثافته مع قدرة استفزازية مفضية للتأمل من اجل الكشف عما خلف الفاظها مع اتصافها بسرعة ايقاعية وقدرة ايحائية واكتناز طاقتها الدلالية.. وضربة اسلوبية ادهاشية مفاجئة.

  و(بمحاذاة الغواية) ـ النصوص الشاردة ـ التي نسجت عوالمها انامل الشاعر يوسف شواني.. تكشف عن قوة التدفق العاطفي وتكثيف الرؤيا مع استخدام الالفاظ المجازية المحققة للانزياح باعتماد(الايجاز/كثافة العبارة/ وعمق المعنى..) مع اتكاء على حقول  دلالية(زمانية/مكانية/ثنائيات ضدية..) لتشكل خطابا اتصاليا يثير الانفعلات وينبش الذاكرة، اضافة الى مغادرته المستوى التفسيري الى المستوى التأويلي مع توظيف تقنية السرد وعامل المفارقة الادهاشية.

          عسير…

         ان اراك ولا تراني

         ونحن ضلعان متقابلان في مستطيل الايام..

         عسير..

         ان اقف كل صباح امام مرآة عينيك

         وأرى وجهي متكسرا فيها..

         عسير..

        ان اتقاضى عطر ملامحك بالتقسيط

         وانت قارورة ممتلئة بالحب..

         عسير..

         ان اعلق الضوء على اعمدة الوقت

          فيطفئه الانتظار على مضض..

        عسير..

       ان ابحث عنك في مرافئ متنائية

       واجدك ضائعة بين ضفافي..    /ص12

    فالشاعر يبوح بوحا اقرب الى حوار الذات ويستنطق المكان بصفته دال اشاري متشعب باحداثه التي شكلت بؤرة مركزية  تجتمع فيها خيوط النص وتمنح نسيجه تماسكا ووحدة موضوعية من خلال سرد شعري  للمواقف المتوالدة من تفجير اللفظ(عسير) الدال على الحركة الكاشفة عن الافعال الانسانية، فضلا عن انه يستثمر التداعي والتفاصيل اليومية لإضاءة بعض العوالم المعتمة بلغة محكية بعيدة عن التقعر عبر خطاب الذات ومناخاتها للتعويض عن الغربة وايجاد حالة من التوازن والعالم الموضوعي..

   فالنص يتاثث من تلاحق الصور القابضة على لحظة الانفعال مما يمكن المنتج(الشاعر) الانفتاح على تقنيات السرد الشعري البصري الثيمي(المشهدي) الذي يتطلب حضور المكان الحاضن للفعل الشعري وانفعالاته مع توظيف الرمز والمجاز والاستعارة اللفظية المفضية على النص عمق فكري وبعد جمالي…فضلا عن احتضان الشاعر للحياة بكل موجوداتها لخلق صوره المتوالدة من بعضها البعض كونه يعي ان الفن(التعبير بصور) والذي لا يتحقق الا بامتلاء المخيلة بالمعطيات الحسية التي يتفاعل معها المنتج بوعي كلي…

        لن اقول احبك علنا..

        لكنني سأصطحبك معي

        في كل خطوة من منعطفات الحياة

        واتعثر بك عند كل نظرة

         وألغي من قاموسي عتابك..

         لن أقول احبك جهرا..

         لكنني سأترقب صورة طيفك

        عند بوابة الشعر

        وأشتهي وصلك دائما وأذوب في ثنايا غيابك   /ص83

  فالنص يقترب من الحكائية بتدفق وجداني ينبثق من مركز دائرة الوعي الشعري الذي تؤطر عوالمه الصورية ودلالاته الموحية مع اضفاء دينامية حركية من خلال جدلية التناقضات التي شكلت عنصرا من عناصر الصورة الشعرية التي تستمد شعريتها من الذاكرة الذاتية والموضوعية (المتكلم/المخاطب) عبر توليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي.

        حينما ينتهي الحب

        سأفتح معظم أزرار قميصي

        كي أتنهد الحسرات وحيدا

        وأنفث الدخان الاخير

        من سيكارة الفراق..

        حينما ينتهي الحب

        سأحزم كتبي وبقية مسودتي

        مع احاسيسي العالقة في وجداني

       وأرميهم في(التنور) القديم لامي  /ص108

   فالنص يكشف عن قدرة رؤيوية للواقع الممزوج والخيال الشعري الخالق لصوره الحالمة المشحونة بشحنات تناغمت مع الحس النفسي عبر دلالات هاجسية فاعلة بفعلها ومتفاعلة بذاتها والتي(تهبط في الطبقات النفسية العميقة)على حد تعبير هربرت ريد..عبر بنى استرخائية ولغة شعرية تخاطب الوجدان وفق معيار حدائي له التزاماته الموضوعية مع تركيز على الخصائص الحسية لإبراز جماليته المنبثقة من استنطاق كينونة اللفظ الرامز وتفعيل الاثر الذهني بلغة تكثيفية تتماهى واللغة الشعرية مع ايجاز في العبارات واقتصاد في الالفاظ فضلا عن اهتمامها بغنائية الموضوع اكثر من الاهتمام بمعيارية الشكل لخلق نص يتوخى الايجاز وعمق المعنى وكثافة الايحاء اضافة الى اعتماده تقنيات فنية كالتنقيط(النص الصامت)الذي يستدعي حضور المستهلك (المتلقي) للمشاركة في بناء النص والتكرار الذي شكل لازمة للنص من جهة وأضفي نبرة موسيقية عليه من جهة اخرى.

  وبذلك قدم الشاعر نصا يضيء خبايا الذات باسترسال سردي متعدد الظلال الرؤيوية مع مفاجأة اسلوبية ادهاشية..فضلا عن التركيز على جمالية السياق الحداثي شكلا وبناء وهو يستمد تأثيره من خلجات النفس واحلامها السابحة في فضاءات المخيلة الشعرية لمعانقة الواقع من اجل خلق صوره بتلقائية تحتكم المنطق القائم على التجربة والتعلق بـ(الجوهر) الحياتي المنبثق من لحظة التجلي التي تستشرفها الشاعر كتجربة كيانية انتزعتها من سياق الوجود عبر الجملة الشعرية التي تتشكل من بنى تأملية اعتمدتها الشاعرة بقصدية منها(بنية الانا/بنية الهاجس/ بنية الاخر).. من اجل تفعيل المخيلة التي تنتج صورا شعرية تستفز الذاكرة وتحقق اثرها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة