النضال ضد العنصرية ، عنصرية السلطة وانظمة التمييز العرقي في جنوب افريقيا استمر لسنين طوال ، أسهم به السود والبيض معاً، وكل ذلك جاء تزامناً مع نضال نيلسون مانديلا الذي اصبح رمزا لمناهضة العنصرية.
سحر السينما وبعيدا عن ضجيج كورونا ورعبها وتزامنا مع عزلتكم الاختيارية ، تقرأ اليوم فيلما رائعاً يتميز بخصيصتين
١-إنه يخلو تماماً من أي عنصر نسوي ، سوى فتاة سوداء اسمها مامبو اشتركت في تمثيل 30 ثانيه في الفيلم وقد أدت حواراً لم يتجاوز 15 كلمة.
٢-إن العناصر المشاركة في أداء الأدوار جميعها من الشباب بسبب أن حركة المقاومة والتصدي للعنصرية قادها الشباب في جنوب أفريقيا.
الفيلم يحمل عنوان (( الهروب من بريتوريا )) Escape from Pretoria أنتج عام ٢٠٢٠ وأخرجه فرانسيس انان ومثله دانيال رادكليف بدور (جنكين) ودانيال ويبر بدور (ستيفن لي) وإيان هارت بدور (دنيس غولدبرغ) ومارك ليونارد وينتر بدور (ليونارد فونتين) ونيثن بيج بدور (مونغو) وباترد زو بدور (مامبو).
القصه تتلخص في نضال وطني اختصر من خلال شابين سياسيين هما (جنكين) و(ستيفن) اللذان انهيا الجامعة سوية عام ١٩٧٣ ولكونهما يحملان حساً انسانياً ضد الظلم فقد انخرطا في المؤتمر الوطني الافريقي المحضور ، وأرادا في يوم رائق ووسط حشد من الناس أن يوزعا منشورات سياسية في الاسواق عبر جهاز يقوم باطلاق حزم من الاوراق التي كتب عليها المنشور، فيلقى عليهما القبض ، يسجن (جنكين) ١٢] عاما و(ستيفن) ٨]أعوام[.
يندمج الاثنان في سجن بريتوريا مع مجموعة السجناء ، ويحاول الاثنان اقناع أكبر عدد من السجناء على الهرب عبر براعة (جنكين) في صنع مفاتيح خشبية لاقفال السجن، فصنع (٣٥) مفتاحا للأبواب جميعها.
يركز الفيلم ببراعة على المفاتيح وكيفية تجربتها في فتح الاقفال ، ضمن لحظات غياب الحارس المناوب وعودته للممر الذي يضم الزنازين ثانية ، هي لحظات قلق وتوتر استثمرها المخرج في اللعب بمشاعر المشاهد ناهيك عن خلق حالة من التعاطف معه بسبب قسوة حراس السجن.
الفيلم يمزج بين الحرية والعقاب اذ كان امام السجناء خياران لا ثالث لهما وهما اما الحرية او العقاب ب ٢٥سنة اضافية في حال انكشاف خطة الهروب التي رسمها الاثنان.
يذكرنا هذا الفيلم بفيلم (الفراشة ) لمؤلف الروايه هنري شارير ويذكرنا (جنكين) بشخصية ((ديغو)) التي مثلها داستن هوفمان ومحاولته الهروب من السجن في الجزيرة النائية وذلك في اطار المشابهة التقاربية بين جسد ديغو وجنكين والشكل الخارجي وحتى الاداء . وبخاصة اللقطة التي استمرت لثوان عندما أدخل (جنكين) لفافة النقود داخل حافظة معدنية اسطوانية في استه شبيه بما فعلها داستن هوفمان ((ديغو)) في الفراشة .
يؤكد الفيلم من خلال عشق الفتاة السوداء (مامبو) ل(جنكين) الابيض ، أن التمييز العنصري بدأ يتلاشى حين يتقهقر أمام الحب الذي يتجاوز العرقية.
كما يناصر الفيلم الفكرة الضدية من العنصرية من خلال البيض الذين تجاوزوا محنة اللون الى الانسانيه والحرية.
اعتمد الفيلم في اغلبه على :-
١- لحظات التوتر من خلال اداء الابطال العالي.
٢- الفعل الدرامي للحدث نفسه في لحظات معالجة المفاتيح الخشبية للابواب
٣- المواقف الدراميه بوصفها فعلاً مؤثراً مثل استغلال بدانة الشرطي الحارس الذي كان بطيئاً في حركته لأثارة مشاعر المشاهد وقلقه.
٤- قسوة حراس السجن التي تتزامن مع اي فعل درامي خارج السياق.
ومن الطبيعي ان نجد هفوات بسيطة في حبكة الفيلم ومنها :-
١- دائماًماتخلو الممرات من حراس كثيرين في السجن .
٢- فتح باب السجن الخارجي المؤدي للشارع العام ليخرج منه الهاربون وهذا من الصعب حصوله في دولة قمعية.
٣- استغلال بدانة الحارس الليلي وبخاصة هذه الشخصية التي دائما ما تكون حارساً ليلياً.
أكد مانشيت الفيلم انه استل من قصة حقيقية ، ويبدو أن اصابع المؤلف قد غيرت في القصة الحقيقية ، لأننا لم نجد استغلالاً للنقود في رشوة الحراس كما فعل (ديغو)في الفراشة.
أما من حيث الدلالات التوضيفية فتتضح في الفيلم من خلال:
1 . تسليم الشرطي لجنكين النظارات الجديدة كي يبصر بوضوح وكأن الدلالة تشير الى التفاؤل بابصار العالم الرحب خارج السجن كون هذا السخاء لا يلتقي مع العسف الذي تمارسه السلطة.
2 اقحم المخرج اغنية وطنية لحظة هروب السجناء الثلاثة تتحدث عن الحرية ، وبذلك خرج عن السياق الواقعي للاحداث الى سياقات متخيلة وقد اعاد المقطع 4 مرات اذا تقول الاغنية :
( يوم الغضب
يوم وشيك
سوف يحول العالم الى رماد
ديفيد الشاهد الى جانب العرافة
كم سيكون مشهدا عظيما
عندما يكون القاضي على وشك المجيء
يحقق بدقة في كل شيء )
فيلم امتد لما يقارب من ساعتين و١٥ دقيقة معتمداً على لحظات قاسية من التوتر والدهشة ، اشتغلت به الكاميرا عبر الظلمة والضوء بشكل بارع ، وعبر تصوير ماهو مخفي داخل احشاء الاقفال وحركتها غلقا وفتحاً.
فيلم يكشف عن مرحلة احتجاجات الشعوب على سلطاتها الغاشمة ، هرب السجناء الثلاثة (جنكين) و (ستيفن) و (دينيس) من قلب جنوب افريقيا (بريتوريا|) الى الموزمبيق ثم الى تنزانيا ثم الى لندن وهناك انضموا الى حزب المؤتمر الوطني الافريقي وواصلوا الكفاح ضد العنصرية حيث اسفر عن سقوط نظام الفصل العنصري عام ١٩٩٢ وانتخاب مانديلا عام ١٩٩٤ رئيسا لجنوب افريقيا.
اعتبر هؤلاء الثلاثة هاربين حتى تم العفو عنهم عام ١٩٩١. انه فيلم جدير بالمشاهدة.
انتظروا سحر السينما مع أهم الأفلام العالمية بعد غد ودور الامبراطورية البريطانية في تكريس لغتها .