مرت يوم امس ذكرى الانقلاب الدموي الذي اطاح بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم وتسبب بارتكاب جرائم شنيعة من اجل الاستحواذ على السلطة وخلال حقب مختلفة من التاريخ الحديث والمعاصر تعايش العراقيون مع اشكال مختلفة من الأنظمة السياسية وتنقلوا من الاحتلالين العثماني والبريطاني إلى الأنظمة الملكية والجمهورية وشهدوا انقلابات وصراعات مسلحة وادركوا بشكل متأخر اهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة وديمومة الأنظمة والقوانين التي تحفظ الحقوق وتصون الحريات العامة.
ولربما شكل انقلاب الثامن من شباط عام 1963 مفصلا مهما في التاريخ السياسي للعراق لأنه مثل نهاية لعهود الاستقرار والتعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي وشيوع الحريات العامة التي انبثقت مع تأسيس الدولة العراقية عام 1921 في ظل الاحتلال البريطاني وتتويج الملك فيصل الأول ملكا على العراق وتعزيز مكانة العراق الدولية بتبوئه مقعده في عصبة الامم واعلان استقلاله عام 1932 حيث بانت بشكل جلي معالم الدولة العراقية الحديثة من حيث تشكل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وتشريع القوانين المعنية بالأمن والدفاع والاعمار التي أنتجت ثورة عمرانية في الاربعينيات والخمسينيات استكملها النظام الجمهوري الاول بزعامة عبد الكريم قاسم الذي وان جاء بانقلاب عسكري إلا أنه حافظ على ركائز الدولة العراقية الحديثة ولم يسمح بحصول انتهاكات واسعة تزيح مؤسسات الدولة عن اداء مهامها مثلما حصل لاحقا حينما انحرف مسار الجمهورية بعد عام 1963 نحو الديكتاتورية وعدم احترام الحريات العامة والانغماس بممارسة الترويع والترهيب وتنفيذ الاعدامات من دون احكام قضائية وغلبة سلطة الحزب الواحد والعائلة الواحدة والشخص الواحد على سلطة الدولة والانحدار بالعراق إلى ميادين الصراعات المسلحة مع الدول المجاورة وتغييب القوانين المرعية التي تعايشت في ظلها اطياف الشعب العراقي خلال نصف قرن أو أكثر.
ومن المهم التذكير الآن بأهمية العودة إلى الدولة بوصفها الكتف الواسع والمجال الأرحب الذي يمكن للعراق فيه أن يخرج من هذا النفق المرعب حيث تتكاثر الطعنات بجسد العراق وتتعدد عناوين السلطة التي تقمع حركات الاحتجاج وتسفك دماء بريئة وتفرض سطوتها على الشعب وتريد منه القبول بسلطتها اللاشرعية وتحاول اخماد انتفاضته التي تطالب بوطن ودولة .
د. علي شمخي