خضير الزيدي
حاول الفنان «باسل سلام» في أكثر من التقاطة صورية، أن يعيد إلى أذهاننا معالم الجنوب، واستقى اغلب الأعمال من اهواره وبيئته وأبوابه، ومنحتنا تلك الأعمال الفنية خاصية الوصف الذي لا يوهم المتلقي بان المكان بعيد عن الذاكرة لقد رأينا أعمالا كثيرة كانت الاهوار وطبيعة البيئة المحلية فيها مشهدا موظفا بتقنية تصويرية ملهمة . ومع كل هذا هناك إصرار من قبل الجيل الجديد على الاهتمام بهذا الإرث الحياتي التي تستوطنه شريحة من الجنوبيين .استطاعت عدسة باسل سلام أن توجه عنايتنا ثانية نحو تلك الجهة لاعتقاده بأنها جزء من واقع ننتمي جميعا إليه لكن هذا الحنين والعطش الكبير في داخله لن يشفعان له إذا لم تحقق الصورة الفوتوغرافية غايتها التعبيرية ولعل اشتغاله الأخير على هذا الجانب استطاع أن يقدم منجزا فنيا عبر ممارسة ذكية وتجسيد حي. وأن يوسع من تكوين الاهوار والقوارب والأطفال فيه ليمنحنا قسطا من التأمل ….الجانب التعبيري في هذه الأعمال حاول الإصرار على بث شفراته فبدت فيه الفكرة وكأنها تفرغ محمولها الدلالي بين التوفيق في إحياء هذا الإرث وبين التسجيل الصوري المشحون بالشعور والإحساس والانخراط في توظيف حياة بيئة كاملة تنوعت فيها العناصر الصورية من أجزاء طبيعية وأخرى من صنع الإنسان. لكن المنطق التعبيري غير منطق الواقع والوصف عبر الذاكرة ليس كالمخيلة هناك اتجاه صوري أراد له ((باسل)) أن يظهر بوجه حقيقي يتمثل بالتوضيح نحو الحقيقة كما هي. ليس نقلا انفعاليا بل هو التجاور على مستوى الإنتاج والتجسيد . إنتاج يستقي مكونه من أفكار وحياة خاصة وتجسيد يشتد فيه عنصر خطاب الصورة بالمباشرة وتوزيع أنظمة الموضوع على مساحات متعددة من العمل الواحد هذه الأفكار جعلت من الفنان الفوتوغرافي «باسل سلام» يلاحق اللقطة ويعتبرها صفة تلازم زواياه لهذا يمكن لنا أن نعد تلك الصور الخاصة بالأهوار علامة فارقة من علامات أعماله الفنية خاصة إذا ما عرفنا بأنه من محيط البصرة القريبة من الأنهار والتي يشكل فيها الريف موضوعا وحكما لإثبات وجود الكثيرين من سكنته.
والذي أريد التوصل إليه بأن إنشاء صورة تنقل مراحل حياة تشترك فيه مجموعة من البشر ليس بالرسم التعبيري بل هو تحرك ذات مسؤولية وتفاعل يومي يفرض عليه أن يعي الظاهر المرئي من الطبيعة ليحوله إلى منطق شكلي يشغل الآخرين ولان طاقة الفوتوغراف في مثل هذه الأعمال لم تكن محددة لذا يستوجب تحديد الشكل والمعالجة معا بينما المدلول وثقله الفكري والتعبيري هو الدرجة التي نبحث عنها من خلال غاية التصوير وتكثيف رمزيته .. المهم تحسب مصورات هذا الفنان على وجهين: الأول حقيقي يعطي انطباعا وتدفقا حيال التكوين الحياتي المتمحور حول الطبيعة والبراءة والوجه الثاني اجتهاد تعبيري تضمن إحياء فكرة الاهوار والريف لينفتح خطاب العمل الصوري على تنوع وتعميق فني ذات اثر إنساني .وهذا التزاوج اليوم يضعنا أمام إيقاع داخلي بحت تحركه العواطف حينا والغاية التعبيرية والجمالية حينا آخر بمعنى أن غاية الفن هنات تحريك الرؤية بالتناغم الصوري الطبيعي وخلق إدراك يقدمه الفنان على أساس درجة تفاعل العمل مع المتلقي. وهذا النجاح يعتمد على ذكاء المصور ساعة التقاط الصورة ليظهر العمل الفني بحمولته التعبيرية أكثر إيغالا في النفس وربما أكثر إيغالا في التجلي ليختلط الدال والمدلول معا مكونين قيمة ضوئية خرجت للتو من جسد (الكاميرا ) ولا أجد أن أعمال باسل تذهب بعيدا عن هذه التوجهات الجمالية والفنية لان إيقاع سطح الصورة ظل وفيا لحركته وخطوطه وكتلته الصورية.