بعد أيام من تحقق حلم السيد عادل عبد المهدي في تلقف مقاليد المنصب التنفيذي الاول في الحكومة العراقية، كان لي لقاء مع فضائية (الحرة-عراق) توقعت فيه أن لا يستمر في هذا الموقع لأكثر من سنة واحدة، كذلك تناولت ذلك في العديد من المقالات والمناسبات التي تلت ذلك الحدث. واليوم يتكرر المشهد مع هذا العدد الواسع من (نسخ عبد المهدي) المسكونون بحلم التسلل الى مغارة المسؤولية الاولى. وسط كل هذا الصخب والضجيج والضخ الممنهج لحطام الشعارات والخطابات الشعبوية، ينكمش واقع الحال الفعلي والذي يدركه كل من ما زال يقبض على شيء من العقل والمسؤولية والاتزان؛ واقع امكاناتنا الفعلية وقلة حيلتنا على تحويل كل هذا الطفح الهائل من التمنيات الى حقيقة على أرض الواقع. قلة حيلة لا الكتل والجماعات التي تلقفت مقاليد الغنيمة الازلية بعد آخر انتخابات برلمانية فقط، بل يشاركهم في ذلك الخلل الحيوي قوى الاحتجاج الحالية، والتي عجزت وبعد مرور أكثر من شهرين على انطلاق الاحتجاجات، عن تشكيل وفد تفاوضي لها، يتم من خلال لقاءاته ونشاطاته تحديد ملامح المشروع الوطني الكفيل بانتشال مشحوفنا المشترك مما يحيط به من مصائر تهدد امننا ووجودنا.
هذا العجز البنيوي والمستند الى ارث هائل من الهزائم الوطنية والحضارية والقيمية، لا يمكن تخطيه بين ليلة وضحاها، أو من خلال عنتريات من وجد في نفسه ما يؤهله للترشح الى منصب رئيس مجلس الوزراء في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق الحديث. لنحسم أمر هذا الموضوع من نهايته، لنقول وبكل ثقة؛ لو منحتنا الاقدار ما يمكن أن نطلق عليه بـ (سوبر مرشح) لهذا الموقع الشاغر الآن، أي يتمتع بافضل الصفات والمؤهلات لمثل هذه المسؤولية، فان ما سيلاقيه من فشل لن يكون كسابقيه وحسب، بل أشد فظاعة واكثر سرعة في مواجهة مصيره الحتمي، لما نعرفه عما هو سائد من ضحالة وشراهة وتفاهة في المشهد الراهن. لقد اشرنا مرارا وتكرارا الى طبيعة القوى والجماعات والمصالح والذهنيات التي انتفخت بعد زوال النظام المباد، والى موهبتها وتخصصها الاساس، والذي يتمحور حول تقنية اعاقة وشيطنة بعضها للبعض الآخر، هذه الموهبة كفيلة بتحويل أجمل التطلعات والمشاريع الى سلسلة من الكوابيس تجرعنا بعضا منها والقادم أتعس، ان لم نشرع في التحرر من وهم انتظار المرشح الضرورة.
ليس غريبا أمر هذا الكم الواسع من الدعوات لتسليم مقاليد امور البلد لـ “رئيس قوي” ومنهم من يحسمها لصالح جنرال ما وغير ذلك من حلول الذهنيات الزهكانة، فهي جزء من ثقافة وتقاليد رسختها عقود طويلة من الهيمنة المطلقة لـ “القائد الضرورة” الذي انتشل مذعورا من جحره الاخير. وعندما ندقق قليلا في حالة من تنطع لترشيح نفسه للمنصب المذكور، نجد غالبيتهم تستند الى ذلك الاحتياطي، من المناخات والذهنيات المسكونة بانتظار المخلص أو المرشح الضرورة. ومع ذلك فان الامر لا يخلو من الايجابيات، ومنها ان جميع من رشح نفسه لشغل ذلك الموقع، هو فاشل سلفاً، وهذه بحد ذاتها ايجابية لا تقدر بثمن. ما نحتاجه اليوم هو العثور او الاتفاق على شخصية لم ترشح نفسها وتدرك جيدا طبيعة وظيفتها الانتقالية الخالية من كل أنواع البطولات والعنتريات الفاشوشية، مسؤولية ادارية وضمن فريق عمل جماعي لا يخضع لاشتراطات قوارض وحيتان حقبة الفتح الديمقراطي المبين…
جمال جصاني