متابعة – الصباح الجديد :
مر الآلاف من الفتيات بمفردهن، وجماعات، ومع زملائهن في الدراسة، والعمل، عبر طريق لم يكن بحسبانهن يوماً سيمرن منه دون تحرش لفظي أو جنسي حتى، في وقت سابق قبل انطلاق التظاهرات الشعبية في العراق. وتقطع الفتيات، بعد المرور من منطقة فضوة وعرب الشعبية، المليئة بأصحاب الدراجات النارية ومحال تصليحها، الطريق سيراً على الأقدام في سوق شعبي لبيع شتى أنواع السلع بأسعار رخيصة أغلبها «حاجة» قطعة بألف دينار عراقي، حتى الجوارب، والملابس الأجنبية المستعملة، التي تستقطب الفقراء، نحو ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد، حيث يتجمع الآلاف من المتظاهرين فيها منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
تسلك سمر 22 عاماً، ذات الطريق يوميًا نحو ساحة التحرير، من دون خوف من أي مضايقات وتحرش عن ملابسها أو ملامح وجهها، وانحناء خصرها، وهي ترتدي بنطلون جينز، وبلوزة قصيرة، تحمل بقلبها القوة في مشاركتها بالتظاهرات والمطالب التي أطاحت برئيس الحكومة، وفرحا بتغلبها مع جميع المتظاهرات وبدعم من المتظاهرين، على ظاهرة التحرش التي كانت أحد أبرز مشكلات المجتمع.
وتقول سمر في تصريح صحفي «من كانت تستطيع الذهاب إلى «الباب الشرقي» «حيث تقع ساحة التحرير بالقرب منه، في قلب بغداد»، بأسواقه الشعبية التي لا يرتادها إلا الرجال، ولا يسمح للفتيات بالمرور سابقا تجنبا لأي تحرش لفظي، أو جنسي، حتى لو كانت الفتاة ترتدي العباءة».
وقال الشاب أحمد كريم «الفتاة التي تسعفني، والتي تحميني بكمامة من الاختناق، وتضع لي مشروب البيبسي، أو المياه الممزوجة بالخميرة، أو محلول السائل المغذي، في عيني وفمي، لإنقاذي من أثار الغاز المسيل للدموع، والتي تعطيني قطعة خبز أو كعك، أو طبق من أكلة «الدولمة»، كيف أتحرش بها؟ من المستحيل أن يتجرأ أحد على التحرش بأي فتاة».
من جهته قال الشاب حسين وهو سائق عجلة «توك تك»، ويسكن مدينة الصدر شرقي بغداد وتعد أحد أبرز المناطق الشعبية الكبرى في بغداد، وهو مشارك في نقل المتظاهرين والجرحى، أنه «ساعد ثلاثة فتيات طالبات جئن إلى ساحة التحرير، لأول مرة، ولا يعرفن الأماكن فيها حتى، ليقم بأخذهن في جولة بالتك التك، والتقاط صور لهن قرب نصب الحرية، والمطعم التركي.
ويساند الشباب، والفتيات بعضهم في تنظيف الشوارع التي كانت مهملة منذ سنوات طويلة، والرسم على جدران نفق التحرير، وحديقة الأمة، والجدران الخارجية لمبنى المطعم التركي، وداخل سرادق الاعتصام لطلبة الجامعات، والمعاهد، والعاطلين عن العمل، والمستشفيات المصغرة، والمفارز الطبية، لإنجاح الثورة، والصمود حتى تحقيق المطالب جميعها.
وحتى طالبات المدرسة اللواتي، خصصت لهن وزارة الداخلية في وقت سابق من مطلع العام الجاري، دوريات تضم نساء شرطيات، ورجال أمن لحمايتهن من التحرش، أصبحن تحت حماية الشباب الذين منهم من تحمل الضرب المبرح على يد قوات الأمن، وبعض مديرات المدارس، في منع الطالبات من التظاهر، والتوجه نحو ساحة التحرير. ولاطمئنان الفتيات على مستقبلهن من شجاعتهن، وبطولات الشباب المتظاهرين، ومشاركتهن من دون خوف، نامت فتاة شابة وسط ساحة التحرير، بين جموع كبيرة من الشباب، والرجال، على الأرض، وقد تغطت بغطاء سميك في مشهد نادر ولم يحصل أبدا ً، لتنال صورتها التي تناقلها الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فرحا عارما لنومها العميق في حماية المتظاهرين، ليثبتوا للعالم أنهم قضوا على التحرش.
ويواصل المتظاهرون في بغداد، ومحافظات وسط وجنوب العراق، مع انضمام المعتصمين، في المدن الشمالية، والغربية، احتجاجاتهم للشهر الثالث على التوالي تحت المطر، وموجة البرد التي حلت مؤخراً.