إذا كان القانون لا يعد قانونا، إلا إذا كان ملزما أي مقترنا بنصوص ترغم وتلزم الأفراد على إتباعه وتضع عقوبات على من يخالفه، فكيف بالدستور الذي هو أسمى وأجل من القانون؟ إن نصوص الدستور لها من العلو والسمو، بحيث يفترض على المشرع أن يضع عقوبات صارمة بحق من يخالف نصوصه. ولكن بالعودة الى نصوص الدستور العراقي: هل نجده وضع عقوبات لمن يخالفه؟ هل هنالك عقوبات لمنتهكي الدستور؟ إن تطبيق الدستور، لا يتم من قبل الأفراد الاعتياديين، بل من قبل السلطات الثلاث (تشريعية وتنفيذية وقضائية) فهي التي تقوم بتطبيق نصوص الدستور بشكل مباشر أو غير مباشر. وتعليقا على حديث الخبير القانوني للصباح الجديد الأستاذ محمد الشريف، الذي حدد ثلاث جرائم في الدستور وهي الحنث باليمين وانتهاك الدستور والخيانة العظمى. فالحنث باليمين مثلا، يخص الوزراء والنواب فهم الذين يؤدون اليمين الدستورية المنصوص عليها في المادة 50 من الدستور. أما جريمة الخيانة العظمى فلا يوجد نص صريح في قانون العقوبات العراقي ينص على وجود مثل هكذا جريمة، لكن يمكن تلمس هذه الجريمة في النصوص التي تجرم الاصطفاف مع العدو أوقات الحروب والجرائم السياسية والجرائم التي تمس الأمن الداخلي والخارجي.
أما جريمة انتهاك الدستور، فهي جريمة شاملة، يمكن جعلها تناسب جميع الأفعال التي تصدر من قبل الوزراء والنواب. وبالنسبة للوزراء، فإن مسألة محاسبتهم أمر مستبعد في الوقت الحاضر، كون إن الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء ورئيس الجمهورية يكون أمام المحكمة الاتحادية ويجب أن يكون وفقا لقانون خاص. وهذا القانون لم يشرع لحد الآن ولا توجد نية لدى الكتل السياسية لتشريعه في الوقت الحاضر. حيث يمكن لأي وزير حاليا أن يفعل ما يحلو له، من دون رقيب أو حسيب، ذلك أن الدستور منع محاسبته إلا بموجب قانون لم يشرع لحد الآن. الطريقة الوحيدة لمحاسبته هي بعد انتهاء ولايته أو إقالته من مجلس النواب، ولكن هذا لم يحدث منذ تشكيل أول حكومة ولحد الآن.
النواب، لهم حصانة لا يمكن محاسبتهم عن قضايا الفساد إلا بعد رفع الحصانة عنهم وهو أمر كان مستبعدا قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية، ولكن بعد تصويت مجلس النواب على رفع الحصانة عن أي نائب عليه شبهات فساد، أصبح بإمكان القضاء اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه، وهو ما حدث فعلا، عندما أصدرت محكمة تحقيق الحلة المختصة بنظر قضايا النزاهة، أمر استقدام بحق نائب حالي ومحافظ سابق لبابل بتهم تتعلق بالفساد. إن نص المادة 50 من الدستور والتي ألزمت عضو مجلس النواب بتأديتها كي ينال صفة العضوية في المجلس، مدعاة لأن تكون الفيصل بين ارتكاب جريمة الحنث باليمين وبين عدم ارتكابها، فعدم العمل على صيانة الحريات، وعدم الحفاظ على المسؤوليات القانونية وعدم العمل على استقلال القضاء وعدم الالتزام بالتشريعات والقوانين النافذة، من قبل النائب، هي مدعاة لأن يتم محاسبة النائب ورفع الحصانة عنه. إن عدم وجود قانون ينظم مسألة التجاوز على الدستور هو فراغ تشريعي كبير، يجب الالتفات إليه من قبل مجلس النواب.
سلام مكي